هدير محمد تكتب: لوددت أن أكون مصريا

كلما ضاق أحد منا الآن، سواء من ظروفه الشخصية أو ظروف المجتمع والدولة ككل، أيا كانت اجتماعية أو سياسية أو كلاهما معا، لجأ إلى تلك الجملة التى أصبحت معتاده هذه الأيام من كثرة تداولها وهى: \”أود السفر\”، أو لنقلها كما تُقال: \”عايز اسافر أي حتة برة المخروبه دى\”، إما إلى دولة بعينها يحلم بالعيش فيها، أو حتى إلى أى دولة، فيقول فقط إن رغبته هى الخروج من بلده.

ولكن إذا كان هذا الشخص يحلم أو يرغب في السفر فى تعبير غير مباشر منه عن رغبته فى أن يحيا حياة أفضل من تلك التى يعيشها فى بلده الأم، فإن الأمر لا يقتصر على هذا الناقم على أوضاع بلده، بل امتد الأمر إلى المؤيدين للأنظمة، ولكنهم يستخدمونها بطريقة أخرى: \”إذا كانت البلد لا تعجك، فاذهب إلى غيرها\”، وكأنه يحتكر البلد لنفسه، فهذه بلدهم وحدهم ولا يجب أن يشاركهم فيها أي مخالف لهم فى أي أمر من الأمور، لأنه بهذا أصبح ليس منهم، إعمالا لمبدأ: من ليس معنا، فهو ضدنا.

ولكن، هل أنت يا من تدعوه لترك وطنه، وفرت له فرصة لمغادرتها، أو سمحت له حتى بأن يعبر عن رغبته بأن يغادرها؟

أنت هو نفس الشخص الذى يتهم هؤلاء الذين يرحلون أو حتى هؤلاء الحالمين بالسفر بالخيانة والعمالة!

أن يكون مواطنا عاديا سواء كان مؤيدا للنظام أو غير ذلك، هو من يتفوه بمثل هذا الكلام، ربما نقول إن هذا نتاج الجهل الذى زرعته الأنظمة الفاسدة على مر عقود، ولكن عندما تخرج مثل هذه التصريحات من مسئولين فى الدولة، فهى حقا كارثة!

فكيف يكون الشخص المسئول عن المواطن وأمنه ورفاهيته، هو من يدعوه ليرحل عن وطنه الذى تعد من ضمن مسئولياته أن يحتضنه فيه؟!

إنهم يضيقون عليك حريتك، ثم معيشتك، ثم أحلامك، لتصبح أقصاها السفر خارج الوطن، ثم يقولون: إن لم يعجبك الأمر فلترحل، أو بمعنى أصح: إن استطعت ذلك فلتفعل.

وبهذا يكون النظام قد حقق مراده بالسيطرة على الخيال، لأن النظم المستبدة دائما ما تخشى الخيال، لأنها تدرك مدى قدرتك إذا امتلكته، فهى تعرف ما يعنيه أن تكون حالما، فإذا حلمت بحياة أفضل، فإنك حتما ستحلم بالتغيير، وإذا فكرت في التغيير، فسيصبح هؤلاء هم أول من تزيحه عن طريقك، لذا فهم يجعلون أقصى أمانيك أتفهها.. ليتحول الحلم إلو جريمة فى مثل هذه البلدان، وأن تكون حالما يعنى أن تكون مذنبا تستحق السجن أو القتل، وذلك بالطبع يتوقف على قدر حلمك.

لذا، فاحذر أن تحلم بغد أفضل أو حتى وطن بلا تعذيب!

ولكن، هل لاحظت أنهم وهم يقتلون فيك الحلم، أنهم يقتلون أيضا شيئا آخر بداخلك؟ إنهم يقتلون هويتك وإنتماءك لوطنك الذى هو منك كما أنت منه؟ حيث أصبح أقصى أمانيك الهروب خارج وطنك -حتى ولو كان هدفك هو أن تتمكن من أن تحيا الحياة الكريمة التى تستحقها– ففى الماضى كان النفى خارج البلاد هو نوع من العقاب، أما الآن فالجميع يتمنى أن يحظى بمثل هذا العقاب!

وقد نجح هذا الأسلوب فى أن يحول البعض من ناقمين على أوضاع بلادهم وأنظمة حكمها إلى كارهين لتلك البلاد، حتى إن جملة مصطفى كامل الشهيرة(لو لم أكن مصريا لوودت أن أكون مصريا) فقدت معناها فى وقتنا الحالى.
لذا فهذه الأنظمة بالفعل نجحت فى أن تقتل فيك الحلم، وتقتل فيك الانتماء، وتقتل فيك الإحساس بالحياة.. لقد قتلوك جزءا تلو الآخر حتى أصبحت ميتا على قيد الحياة.. لذا فعليك أن تقاوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top