هدير محمد تكتب: عن الحب والموت

إحدى دعواتنا الدائمة أن يطيل الله فى عمر أحبتنا ويجعل يومنا قبل يومهم، فدائما ما نتمنى الموت قبلهم اعتقادا منا أن ذلك من شدة حبنا لهم. لكن هل تخيلنا الوضع بطريقة معاكسة واختبرنا إحساسنا حينها؟

الأمر مؤلم. فالمسألة ليست قاصرة على شدة حبنا فقط، بل يشوب هذا الحب بعض من حبنا لأنفسنا وأنانيتنا؛ فلا نرغب أن نشهد موتهم لأننا لا نرى حياة فى غيابهم فلا نريد خوض تجربة الموت ونحن على قيد الحياة فنرغب بالموت قبلهم غير نابهين لما قد يعانوه هم فى غيابنا.
أن تشهد لحظات موت أحد أحبائك شئ مريع بالطبع. ولكن الأكثر بشاعة من ذلك رؤيتك له يموت يوميا دون أن تملك أي سبيل للتخفيف عنه، بل يزيد وجودك وحبك من وطأة الألم بسبب مزيج الحب والألم فى نظراتك. وهو ما يدفع البعض إلى تمني الموت فى كل لحظة وقد يتخطى التمنى -فى حالات أخرى- إلى الإقدام عليه بالفعل، كما هو الحال فى حالات القتل الرحيم.
لا أنكر أننى عندما سمعت عن تلك الحالات -بعيدا عن نظرة الدين- اكتظ عقلى بالأسئلة حول المرض ومدى استحالة الشفاء ومعاناة المريض ومشاعر المقربين ولكنى لم امنع نفسى من استنكار فكرة السماح له بالموت. إن كان يأسه وأوجاعه دفعته إلى ذلك فكيف يسمحوا هم له بالتخلص من حياته؟ هل الأمر بهذه السهولة؟ وكيف يقودونه إلى حتفه حتى إذا كان القرار راجع إليه، فكيف يكتفوا بلعب دور المشاهدين دون محاولة منعه بلا استسلام.. ألا يستحق وجوده عناء المحاولة مرارا وتكرارا دون الشعور بكلل أو ملل ألم يخطر لهم منعه بالقوة إن تطلب الأمر؟
ولكن -فى خضم ذلك الصراع العقلى- أدركت فجأة حقيقة أنهم أحبوه لدرجة تركه يختار مصيره. فبالتأكيد دار صراع طويل بين حبين؛ فالمريض لا يرغب فى استكمال حياة بعيدة كل البعد عن حياته السابقة. يكره إحساسه بالعجز فى كل لحظه فلا يرغب أن يعيش شبه حياة بل ويعتبر تمسكه بها أنانية، فلا حاجة لأن يتعذب كلا الطرفين بسبب جسد ميت بالفعل وروح منهكة تطالب بالخلاص، لذا يرى فى موته حياة. وعلى الطرف الآخر يعتبر أحبائه رغبته فى الموت هى الأنانية ذاتها لأنه يدرك أن مجرد وجوده ولو جثة هامدة تُعد حياة بالنسبة لهم فيكفيهم أنه يتنفس ليعيشوا على تلك الأنفاس. لكنهم مع هذا -وعلى الرغم من يقينهم أن لا حياة لهم إذا فارق الحياة- آثروا سعادته على سعادتهم فلم يجعلوا شدة الحب تقف عائقا أمام راحته بل أحبوه لدرجة أن تركوا له القرار وعاونوه على تنفيذه. وحينها أدركت أن الأمر -القرار وقبوله- لم يكن بالسهولة التى تصورتها، بل كان صعبا لكلا الطرفين وأدركت أيضا أن الحب ليس بالامتلاك بل بالمنح وأن السعادة ليست فى الإبقاء على الأشخاص، بل على حبهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top