هدير محمد تكتب: القدس.. وأشياء أخرى

\"\"

كالمعتاد أثارت الأحداث الأخيرة فى القدس حفيظة الكثيرين، لكن غير المعتاد هو أنه لم تشهد بلداننا الكم المعتاد من الشجب والإدانة سواء على المستوى الرسمى أو الشعبى، فلم نشهد حالات الغضب الشديدة والمظاهرات والدعوة لنصرة أشقائنا الفلسطنيين وتحرير الأراضي المحتلة، وما إلى ذلك من المظاهر التى كنا نشهدها من قبل.
لكن ما أثاره الأمر هذه المرة هو جدل واسع أكثر منه إثارة لمشاعر الغضب. حيث انقسمت الآراء، فذهب البعض إلى دعم القضية الفلسطينية وتأييد أفعال المقاومة بشكل كامل، بينما أكد قسم آخر على دعمه ونصرته للقضية الفلسطينية، لكن مع رفضهم لبعض أفعال المقاومة التى رأوا أنها غير آدمية وأنه لابد من التمتع بالإنصاف حتى وإن كان الخصم غير منصف، وأن قتل عدد من المستوطنين -باعتبارهم عزل حينها- هو جرم يتنافى مع الإنسانية.
كان ذلك بالطبع مع غض الطرف عن أنهم محتلين وأنهم استوطنوا هذه الأماكن بقوة السلاح أيضا وأنهم وإن كانوا فى تلك اللحظة غير مدججين بالسلاح فإنهم نشأوا على العنف واستخدام قوة سلاحهم ضد أصحاب الأرض العزل أو حتى مسلحين.
هذا فى حين اتجه فريق ثالث إلى تأييد حكومة الاحتلال وأفعالها، بل وتمنى الحظ والرخاء لهم! وهو ما استوقفنى وأصابني بالذهول!
لم أكن اتخيل أن يصل بنا الحال يوما إلى أن نتمنى الرخاء لأعداء أعملوا فينا القتل لعقود طويلة!
وقد ذكرنى هذا بحديث خضته كثيرا حول مدى قدرة الظلم على قتل الانتماء.
كنت أعارض بشدة قدرة الظلم على هذا؛ فى حين أكد لى العديدون أنه قادر على ذلك، بل وقادر على ما هو أبعد من ذلك بكثير؛ لكنى رأيت أن هذا الرأى ينطوى على مبالغة شديدة، فهو قادر فى نظرى -على الأكثر- على توليد إحساس بالسخط، لكنه لن يصل بأى حال من الأحوال إلى قتل الإحساس بالوطن.
ثم جاءت تعليقات هؤلاء على الحادث فأثبتت خطأ رؤيتى. حيث إن هؤلاء الداعمين للكيان الصهيونى يروا فيه الدولة التى طالما تمنوها وحلموا بها. فقد حققت كل ما يطمحون إليه وما يحلمون به لبلادهم وفقد الكثير من إخوانهم أرواحهم لأجله وعانوا هم ويلات محاولاتهم الحصول على حقوقهم الطبيعية. لذا فقد دفع الظلم هؤلاء إلى تفضيل دعم من هو أكثر عدلا وأكثر تقدما وإن كان عدوا.. لذا فلا عجب من كثرة الدعوات إلى الهجرة لبلاد أخرى يشعرون فيها بآدميتهم وإن كان حتى السبيل إلى ذلك التنازل عن الجنسية الأصلية.
بالبفعل الظلم قادر على قتل كل شئ داخل الإنسان، خاصة إن كان ظلم الأوطان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top