هدى إيهاب تكتب: ماذا لو كنا بتأثير الفراشات!

\"\"

إحساس ثقيل يلازمني أحيانًا، ومُحبب لقلبي بشدة أحيانًا أخرى. إحساسٌ بمسؤولية ما تجاه ضرورة ترك أثرًا لي في هذا العالم. لا أعني بذلك القيام بعمل بطولي عظيم، أو بتغيير العالم وتحقيق العدل والسلام في ليلة وضحاها -وإن كنت أعتقدت ذلك لفترة-. كل ما أعنيه وأدركه حتى الآن هو أنه ربما نكون لا نملك تلك القوى الخارقة التي يمكنها أن تنقذنا من الشرور المسيطرة على حيواتنا، وربما لا نملك القدرة على تحقيق بديهيات الأمور لضمان الحياة الكريمة لكل إنسان، ولكننا نملك قدرات وطاقات كبيرة إذا أدركناها جميعًا وأستخدمناها جيدًا قد نكون أكثر تأثيرًا مما نتوقع.
وهذا التأثير قد يكون غير ملحوظ في أوانه، ولكنه يمكن أن يكون سببًا في حدوث تغييرًا ما يفوق التوقعات في المستقبل القريب أو البعيد.
هذه القدرات والطاقات قد تتمثل في فعل بسيط، كلمة تلقائية، نظرة عابرة. قد تغير حياة شخص للأبد، للأفضل أو للأسوأ، وهذا التغيير سيترتب عليه الكثير!
قد تنقذ شخصا يفكر في إنهاء حياته، أو تشجعه على ذلك، قد تدعم أحدهم ليكمل حلمه ويخطو للأمام، أو تصيبه بإحباط يثبط من عزيمته، وقد تكون سببًا في حدوث أمر عظيم للعالم أجمع، أو كارثة مُفجعة. أمور كثيرة غير متوقعة يمكن أن تتحقق نتيجة لفعل غاية في البساطة والتلقائية.
هل سمعت من قبل عن نظرية تدعى \”أثر الفراشة\”؟
تأثير الفراشة: \”هي نظرية فيزيائية وفلسفية لتفسير ظواهر الترابطات والتأثيرات المتبادلة والمتواترة التى تنجم عن حدث أول، قد يكون بسيطًا في حد ذاته، لكنه يولد سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية والتي يفوق حجمها بمراحل حدث البداية، وبشكل قد لا يتوقعه أحد، وفي أماكن أبعد ما يكون عن التوقع\”.
وهذا يعني ببساطة أن المؤثرات الصغيرة تقود إلى تغييرات كبيرة، والمثال الأشهر على ذلك هو \”إذا رفرفت فراشة بجناحيها في الصين في أقصى الشرق، فإن تأثير هذه الرفرفة في حد ذاته ضعيف، شيء لا يذكر تقريبًا، وبمرور الوقت يمكن لهذه الرفرفة أن تؤدي إلى حدوث اضطرابات وتموجات في الهواء، وفي فترة زمنية معينة، بعد عام على سبيل المثال يمكن أن تساهم في حدوث إعصار في أمريكا في الناحية الأخرى من الكرة الأرضية، أو لعلها قد تساهم ألا يحدث إعصار في مكان آخر، تساهم في حدوث الإعصار أو تمنعه لكنها ليست السبب الرئيسي في أن يحدث بالطبع\”.
التفاصيل البسيطة هي التي تشكل الأحداث الأكبر والأهم في حياتنا.
أنا لا أنسى كلمة دعم أو محبة كانت سببًا في جعل يومي أفضل، لا أنسى رؤيتي لشخص يتبع أحلامه بكل ما أوتي من قوة فألهمني وكان نورًا لي لأتبع أحلامي أيضًا، لا أنسى أولئك الغرباء الطيبين الذين ساعدوني دون مقابل، دعموني في الحق دون معرفة وأحكام مسبقة، يبتسمون في وجهي ليهونوا من حدّة ثِقل نحمله جميعًا في يومنا بصمت. لا أنسى الأثر الطيب الذي يَتركونه بداخلي بخِفة حضورهم، بخِفة وجمال قد لا يُدركونهما أصلًا.
تلك التفاصيل البسيطة كانت الوقود يومًا لإنقاذ شغفي من الإنطفاء، وكانت سببًا لإمدادي بالطاقة لإكمال عمل نافع لي ولآخرين، فبدلًا من أن استسلم للضغوطات المحيطة قاومت وانتصرت، ساعدت غيري قدر ما استطعت، احتفظت بما تبقى بداخلي من شغف وأحلام. أشياء بسيطة جدًا ولكنها كانت كبيرة الأثر في نفسي، فألهمتني لأكمل طريقي في أشد الأوقات إحباطًا ويأسًا.
ماذا لو كنا جميعًا نملك أن نكون مؤثرين في حياتنا وفي حياة الآخرين!
أعتقد بأن الأمر أكثر بداهة من أن يكون مجرد افتراض. جميعنا مؤثرثرون بشكل أو بآخر، بقصد ووعي وبدون قصد ووعي، نملك في جُعبتنا أكثر مما نُدرك.
جميعنا نملك تأثير الفراشات، لنا القدرة على إحداث الفروق البسيطة بما يدور حولنا، حتى ولو كانت تلك الفروق غير مرئية لنا، ولا تعني لنا الكثير فمعناها سيكمن في آثرها. أتمنى لو أن الأمر لا يتوقف على ذلك فقط، بل أتمنى أن نكون بجمال الفراشات أيضًا، أن تكون أروحنا بخِفتهم، وأثرنا يترك البهجة في النفوس مثلهم، تمامًا كتأثير فراشة ملونة مُنطلقة بخِفة وحرية.
يقول الشاعر \”محمود درويش\” في وصفه لأثر الفراشة:
\”أَثر الفراشة لا يُرَى
أَثر الفراشة لا يزول
هو جاذبيّةُ غامضٍ
يستدرج المعنى، ويرحلُ
حين يتَّضحُ السبيلُ\”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top