هبة بسيوني تكتب: ثورتي الخاصة التي فشلت أيضا

تحذير: هذا المقال قد يكون إنهزاميا.. بالنسبة لذوقك

(أي تشابه بين الأحداث وحياتنا لا يرجع لخيال المؤلف)

الحكاية بدأت عندما أقمت ورشة مجانية للكتابة، وجاء هذا الشاب المضطرب قليل الكلام نوع (زهرة الحائط) الذي يجلس بجوار أي حائط، ولا يصدر صوتا، ويتحاشى النظر للأعين، وكأي كاتبة تحترم نفسها، لفت نظري لأكتب عنه، بدا لي غريبا بعوده المحني الذابل، كأنه لا يمتلك عمودا فقريا، كنت حثه أحثه على الجلوس مستقيما، وأخبره أنه لا شئ في الدنيا قادر على كسر ظهرك، وأن عليه أن يقف ويرفع رأسه عاليا، وعليه الثقة في نفسه.

انغمست مع الحالة، كان كئيبا صموتا منكسرا، وأحسست أنني قوية بما يكفي لبث الروح في جسده الميت، بدأ يدعوني بـ \”الجنية\” القادرة على نثر غبارها السحري على أي شئ لجعله يطير، وكنت أفعل ذلك حتى إنني كنت أمسك بـ\”التايمر\”، وأحثه على أن ينظر لعين شخص لمدة عشرة دقائق دون أن يجفل، وكان يصرخ بي أنها مهمة مستحيلة، فهو تعود على خفض عينه وإطاعه الأوامر والسير بجوار الحائط، ونجحت فعلا، وبدأ في التحسن.. اللعثمة اختفت، أصبح يجلس مستقيما.. ثقته في نفسه تزايدت، وأحسست بالفرح والقوة.. أستطيع أن أجعله إنسانا أفضل، تحسنه زاد إلى درجة أنه طمح في الزواج مني، والغريب أنه كما نرى في الأفلام.. تورطت الطبيبة مع الحالة.. أحسست بالتعاطف تجاهه، هل أتركه بعد كل ما فعلت؟ أخذ مني مجهودا خرافيا في الاستماع والنصح والتقويم، ووضعت له أهدافا لتحقيقها، ورتبت له حياته.. خفت أن ينتكس.. أتركه بعد أن أصبح شخصاً آخر؟ فوافقت على أن يأتي إلى البيت، وبدأت حينها  قصتنا المأساوية.

(بعض الأشياء أكبر مما تعتقد تذكر ذلك)

بعدها.. أصبح يتلو الكذبة وراء الكذبة، وراء التأخير، ثم بعد الضغط، عرفت منه أن أسرته \”سلفية\” متزمتة، لديها \”تحفظات\” بشأني، لأنني \”كاتبة\”، وهذا يعادل راقصة كما أعتقد! وأنني \”نامصة\” ولدي رجال على الفيس بوك، كما أنني أرتدي جينز وليس عباءات وتنورات، وهذا دليل قاطع على فسقي وسوء معدني.. الحقيقة أنني تعرضت من قبل لتعليقات أشد جهلا وظلامية، لكني ضحكت، وظننت أن المقابلة ستزيل سوء الفهم، لأن أسرتي أسرة محافظة عادية كأغلب الأسر المصرية، وأنا أصنف \”بالجامحة\” في العائلة بأكمها، رغم أن أكبر نشاط قمت به هو لعب الكرة، وليس لدي أي انحرافات من أي نوع، كما أن لدي والدين من الصعب أن تميزهما عن الملائكة، وكانت البداية.

(بعض الأشياء أسوأ مما تعتقد تذكر ذلك)

بدأت حملة التشنيع والهجوم ورفض تام لمقابلتي، وبدأت الاتهامات تزداد، ومقالاتي وقصصي تًطبع، ويوضع تحتها تعليقات، لو وصفتها بالحقيرة، فأنا أجملها!

كل ما تتخيله عن الطعن في شخصي وأخلاقي قد قيل.. حاولت الفرار إثر الصدمة، لكنه توسل وبكى وتضرع، وأن هذا ليس بذنيه، وأنه يحبني، وأنهم لو عرفوني سيعتذرون لي، وأن الناس أعداء ما جهلوا، وأنني أكثر الفتيات اللاتي بعرفهن احتراما، وأنني من سأخذه للجنة وليس هو، وأنني أفضل منهم لأنني لست منافقة وواضحة، وأنهم يخافون مني لأنني مختلفة، والناس تخاف المختلف، وأنهم يعبدون الله على حرف.. يخشون أن يحيدوا عما يعرفونه فيضيعون.. \”هذا ما وجدنا عليه أباءنا\”، وأنني أكسر \”ثوابتهم\” العريقة، وأن أمه وأخته (المنتقبات) لا يأمنا على دخول فتاة مثلي بيتهن! مع إنه أقسم لي إنني أفضل في كل شئ.

(بعض الأشياء أفضل أن تترك هناك)

رفضته عدة مرات، وظل يحاول السعي، حتى إنني قطعت كل صلة به، ففاجأني باتصاله بوالدتي، والتوسل أن يقابل أبي، لأنه سيموت بدوني، وأنني الحياة بالنسبة له.

رق قلبي وشعرت بالمسئولية.. هذه معركة اختارني الله لها، لأني قوية.. لم يختر غيري لأنه يعلم أنني دأبت طوال حياتي على نبذ الرجعية، وأن تلك معركتي الخاصة بين الظلام والنور، ولابد أن انتصر كعادتي.. توالت العقوبات الاقتصادية، فلا سيارة ولا شقة ولا رحلات لمارينا، ولا عمل ولا مصروف شهري ولا شئ، وضغط نفسي.. مقاطعة له وتفتيش ملابسه وحرمانه من الطعام والاتصال كل دقيقة لمعرفة أين هو وماذا يفعل؟ وأنا أساند ماديا ومعنويا، فمعركة تكسير العظام لا تنفع مع فتاة مثلي.. أنا منتصرة وسأظل.

(انتق معاركك جيداً.. تذكر ذلك)

تحمل معي كل شئ وقبلت بما لا يقبل لفتاة.. لا زفاف ولا شبكة لائقة، ولا منزلا مناسبا، لكني قلت: المبادئ لا تتجزأ.. دائما أدعو أن الماديات لا تهم، وسألتزم بذلك. أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم؟ سأحتمل والمستقبل يدبره الله.. سأنجح.. لن أضعف.

(عندما تدخل معركة.. انتق شريكك فيها)

وسط إنشغالي، إلتفت لأجده يعود لوضعه الأول.. ينحني.. أصبح يتكلم كثيرا عن السيارة التي يفتقدها، وشاليه مارينا، وأن شقتنا في مكان بعيد سيضيع الوقت في المواصلات، ولن نتكلم، ويلمح لي أن أشتري له هاتف (آي فون) في عيد ميلاده، وأن الحياة التي كلها عمل ليست بحياة.. هي للصراصير الموظفين، وأنه يريد أن يقضي حياته كما كان يعمل ثلاث مرات في الأسبوع فقط.. وأن الجمعيات وإدخار المال والحرمان، يدمران أعصابه، وأن الله سيعاقبه للخروج عن الحاكم.. إحم أقصد والديه، وأنه يخسر كل المميزات، وأنه سيتم اتخاذ إجراءات قانونيه لحرمانه من أموال أبيه التي جاءت بدورها من أموال السعودية! (هل تفاجأت؟ كيف أصبحوا سلفيين إذن؟ هناك يا عزيزي)، والحقيقة أنه لم يكن يعيش في رفاهية، لكن لديه ميراثا جيدا فعلا، لكنه  أخبرني من قبل ذلك أن متعة الكفاح معي هي الأجمل، وأنه لا يريد فلسا منهم.

(الأقوال غير الأفعال.. تذكر ذلك)

لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد تحول إلى ببغاء.. يردد كلامهم، لكن في صورة أخرى.. دمية آلية تعيد الكلام بحذافيره، وكل ما كان ينكره، أصبح يشكك فيه، وأصبحت أنا الشيطان الأمرد الذي يهدد \”الاستقرار\”، وأصبح يضغط على أعصابي ويسفه من نجاحي، ويطالبني بعدم الكتابة، وينتقد ملابسي وضحكتي، وطريقتي حتى طريقة مشيي المتقافزة، اصبح يكرهها، ويأمرني بألا أقابل صديقاتي حتى لا يلوثن فكري، وألا أحتضنهن ولا أقبلهن! كل شئ أفعله خاطئ، وأصبحت حالمة غبية، واتهمني بسلامة النية المبالغ فيها، وأنني لابد أن أحتاط للغدر وللخداع، وأنني بريئة أكثر من اللازم، وللحق قد كان محقا في ذلك.

(لا يمكنك أن تصنع من الفسيخ شربات.. تذكر ذلك)

زالت الغشاوة، وانقشع الدخان، لأجدني واقفة مع ذات الشخص الكسير قليل الحيلة، وزاد على اضطرابه، استقواء، فأصبح ينكل بي بلسان سليط، ويحاول أن يحول كل نجاح لفشل، وصار دائم النقد والإيذاء، ويتكلم معي بكراهية وغل، ويتجسس على رسائلي وصفحتي الخاصة، وعندما سألته عن السبب، أخبرني: لأنني أفهمه جدا وأكشف كذبه، وأنني ولجت إلى أعماقه حيث المنطقة السوداء التي لا يصح لأحد دخولها! هل تعرف الرجل الذي يتزوج على زوجته التي كافحت معه عندما كان معدما، من السكرتيرة الحسناء التي تراه \”باشا\” بعد أن اغتنى؟ أن تكره الآخر لأنه يظهر ضعفك أمام نفسك، لأنه يراك على حقيقتك العارية المجردة، بعد أن تهتك سترك أمامه.. كرهك ويريد البحث عن آخر لا يعرف حقيقته، ليبدأ بدوره التمثيل أمامه!

فجعت، وقررت أنه لا فائدة ترجى.. لا يمكنك أن تبث الحياة في الخشب المسندة.

عاد لجحره، وعدت لمكاني، لأتعلم درسا بماء الذهب \”العيب ليس بك.. أنت لا تستطيع تغيير كل شئ، لكنك حتما تستطيع إنقاذ نفسك، وتغيير ما يستحق\”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top