هبة بسيوني تكتب: الوعاظ التائهون.. وخفافيشهم الراقدة

هل ترى معي الرجل الذي يحوقل في الركن الجانبي، وهو ينظر مشمئزاً إلى الفتاة والفتى متشابكي الأيدي؟ هل تظن أنه يفعل ذلك غضبا على تقاليد المجتمع الراسخة، وكما يطنطن غيرة لدين الله؟ تجيب بنعم؟

لآخذك من يدك ونذهب وراءه هو ومن مثله، لنرى ماذا يفعل الغاضبون لنفسهم ولدينهم ويريدون الحفاظ على \”ثوابت\” المجتمع.

في مصرنا الحبيبة نفس هذا الرجل الغاضب، هو موظف حكومي يفتح درج مكتبه للرشاوي ملتمسا لنفسه العذر، مرتبه صغير والحكومة لا تعطه أجره حتى بعد جفاف عرقه لآخره.. لا تعتبر تلك رشوة.. تعتبر \”رزق\” بعثه الله له ولأولاده المساكين الذي لا يكفيهم مرتبه الضعيف، أو ربما يكون  طبيبا يأخذ هدايا ونسب محددة من أموال أدوية لا يحتاجها المريض، وغالية الثمن بإتفاق \”شيلني واشيلك\” الساري في مصر، ويسافر لمؤتمرات على حس آلام المرضى، ويمتص دمهم في عمليات جراحية لا تفيده، بل تزيده سوءً.

يرقد المريض البائس في مستشفى خاص بُني ليحتال على الضعفاء، بينما يتوافد عليه كل طبيب  ليقلب فيه، ويضاف ذلك لفاتورته ويذهب بالأموال الملطخة بالدماء ليقيم شعائر العمرة والحج، ويضيف شهادات المؤتمرات الوهمية المقامة لتجار الأدوية المتنكرين في صورة أطباء على حائطه، ونفس هذا الرجل هو المدرس الذي يأخذ يومه المدرسي عطلة ويقبض مرتبه مضافا له الكادر الوظيفي، وينطلق في رحلة مكوكية  لمجموعات طلاب تتراوح ما بين العشرين والثلاثين.. لا يعرف نصفهم.. يبصق في أذانهم المعلومات ويفر، ثم يدمج الساعات ليحصد أموال أكثر في وقت أقل، ولا مانع من تبادل السجائر والنكات البذيئة لكي يصبح \”المستر الحبوب\”، ويراقب من مكانه صدور الفتيات بعدها، ثم  ينهرهن بسبب \”القميص \”الضيق\” و\”الكم\” المرفوع، وهو نفسه القاضي الذي يعتبر نفسه هو وأسرته فوق القانون، من دم أزرق، ويحفظ له ولكل أقاربه من الدرجة العاشرة مناصب في السلك القضائي، ولا يختلط دمه بدم آخر، ويصر أن يدمج بنته بعائلة  في نفس المجال، ويضغط على ابنه ليتزوج بنت مستشار، رغم أنفه منعاً – لا قدر الله – لاختلاط الأنساب، وهو الذي يدافع عن كل رأي له، كأنه إله على الأرض، ويحكم على أناس أبرياء بسنوات وراء القضبان دون ذنب، سوى وجود محام خائب لا يتقاضى الملايين.

كل تلك الأفعال لا تغضبه هو ولا غيره، ولا تحرك شعرة في رؤوسهم.. ما يغضبه حقاً ويثير حفيظته، هو ذلك الشاب الواضع يده على كتف فتاة، فهو عديم الحياء رعديد لم تربه أسرة، وهي فاسقة فاجرة لا رجل في أسرتها ولا لها أب أو عم \”يلم لحمه\”.

القبلات على الفم والخد تصرف شائن.. من يفعله يستوجب حرقه حيا! لماذا لا يراعي أنه في بلد مكبوت أغلب سكانه نالوا قبلتهم الأولى، وهم في منتصف الثلاثينيات أو ما يزيد! نفس القبلات توزع بصورة مجانية في مستويات معينة في الطبقة التي تطلق على نفسها \”كريمة المجتمع\” القبلات لا حساب لها هناك، أما في طبقة \”عدس المجتمع\”.. القبلات شئ تطير له رقاب.. من لم يحقق أي شئ في حياته يتوارى خلف الدين، أو على العكس يلعنه ويتبرأ منه.. المشكلة أن الدين في مصر أصبح شماعة لكل من، المكبوت والمنحرف.

الفتيات يتلاعنن  في السر والعلن بسبب الأزياء وكل فتاة ترى نفسها \”ملتزمة\”، والأخرى \”منحلة\”.. نفس الفتاة التي ترتدي النقاب من سنة مضت، كان لديها حساب مزور تكلم به الأولاد بطريقة  “Dirty “وتتلذذ بالصور العارية وترتدي الملابس التي تمزق لحمها.. ندمت وتابت؟ حقها الطبيعي.. أغلقت صفحة الماضي؟ عظيم.. لماذا إذن تمسك بمطرقتها وتدق على رؤوس الأخريات؟ الفتاة التي خلعت حجابها.. لماذا تتهم الأخرى أنها مغيبة  و\”مضحوك عليا\”، وأنها بحثت ووجدت، وأنها امسكت بيديها مفاتيح الحقيقة المطلقة.

نفس الشخص الذي يقرأ المقال الآن، لأنه يتابع المواقع المختلفة، هو الذي سيهرع لخانة التعليق طالبا لي الهداية، ومتهما إياي أنني أحض على الفسق والمنكر والقبلات في العلن.. لن يراجع نفسه، فهو فوق المراجعة ككل الناس في مصر.. لن يفكر في المعنى من وراء السطور.. كل ما سيهمه أن يثبت غيرته على الدين، بترك تعليق \”بذئ\” لي، ثم ينهض من مكانه ليرتشي أو يعطي رشوة وينافق ويكذب ويطعن في الظهر ويراقب المؤخرات ويتحسس نفسه في العلن (فعل آخر يُعتبر مقبول مجتمعيا ولا يضايق أحدا!)

الغيرة على الدين تم إختزالها في التنابز بالألقاب والسباب والنصائح المجوفة، وعندما تراجع أحدهم يصيح في وجهك قائلا: \”أيوه.. أنا مش بعمل كده.. بس الدين بيقول كده.. مش مشكلة تعمل حرام.. المهم ماتقولش عليه حلال\”! عنده هو وغيره الدين مجرد قواعد صماء تُحكى، وليس أسلوب حياة يُطبق. الدين ليس قصة قبل النوم وحكايات يُستشهد بها وترميها وراء ظهرك، أو قطعة ملابس تتدثر بها وأنت جالس على كرسيك، أو في جلسة مقهى، ثم تخلعها وتتركها وراءك.

إذا كنت تعتقد أنك على طريق الصواب، هنيئا لك، لكن كف أذى لسانك ويدك.. إذا كنت على خطأ، لن تُكفر ذنوبك بمجرد ترك التعليقات ولعب دور الناصح.. انصح نفسك أولا.

من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.. لم يجرؤ أحدهم – ساعتها – على قذف حجر واحد.. لو حدث ذلك الآن سيحدث تدافع لمن يلقي عليها الحجر، لأنه إما حانق على نفسه، ويرى فيها تجسيدا لخطيئته، أو لا يفعل أي شئ يرضي الله، سوى الدفاع الأعمى وتقمص دور الواعظ، أوستكون هي الوجع الذي سيذكره بأفعاله.. السيدة لو كانت بيننا كانت ستردم بالأحجار بسبب الوعاظ المنفلتين  والجٌهال المتشددين، الذين تعج الأرض بهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top