إبّان فترة حكم المجلس العسكري، كتبت مقالا بعنوان \”تساؤلات مواطن ساذج على مقعد الانتظار\”، أفرغت فيه ما في جعبتي من تساؤلات آنذاك.
وحيث إنني ما زلت مواطنا، فلم أهاجر ولم أتنازل بعد عن جنسيتي، وحيث إنني ما زلت ساذجا، فلم تهبط عليّ الحكمة من السماء، وحيث إنني ما زلت على مقعد الانتظار، فكلما انتفضت قائمة متحمسة آملة في التغيير، ضربتني الأحداث على خدي الأيمن ثم الأيسر، وأعادتني لمقعدي صائحة: إهدئي أيتها الحالمة، فلم يحن الأوان بعد.
وحيث إن جعبتي قد امتلأت مرات ومرات حتى فاض بها الكيل، فها أنا ذا أكتب مقالي الثاني وأكمل تساؤلاتي الساذجة فاغرة الفاه رافعة الحاجب مبحلقة العينين.
فلتنتظروني للحظات أخلع ثوب الفصحي الذى أرتديه لزوم الكتابة، وأحضر كوبا من الشاي لنبدأ حديث المواطن.
نبتدي م الآخر:
هوه إيه يا إخوانا اللي وصلّنا للآخرة السودة اللي إحنا فيها دي وخلى فضيحتنا بجلاجل في كل حتة؟ اللي ما بسمع عن استفتا إلا وبناخد فيه المركز الأخير ما عدا استفتاءات الأمراض والعياذ بالله؟ ويا ترى إمتى بدأت وكستنا دي بالظبط؟ هل فعلا مع بداية حكم العسكر أو اللي بقم يسموهم عسكر؟ طب هوه إحنا كنا قبلهم يعني في نعيم؟ صحيح زي ما بيقولوا كان اقتصادنا أقوى وتعليمنا أرقى وثقافتنا أعلى وشوارعنا كانت ولا شوارع أروبا، بس برضه مش كان فيه احتلال؟ وكان فيه مناضلين بيتقتلوا برصاصه؟ وكان فيه خير بلد منهوب بيعود معظمه على الأجانب والباشوات؟ مش ده اللي علموهلنا في المدارس، ولا همّا علمونا غلط؟!
يعني الناس اللي ضحت بأرواحها عشان مصر تتحكم بإييد المصريين كانوا غلطانين؟ طب لو طلعوا دلوقتي من التربة وشافونا بنترحم وبنبكي علي أيام الاحتلال والملكلية ممكن يحصلهم إيه؟! يمكن نكون شايفين إن مكاسب العصر ده كانت أعظم من خساراته؟ ولا إن خسارة العصر ده كانت أرحم من خسارة العصر اللي بعده؟ طب نكونش استعجلنا عشان نحكم البلد بإييدينا ولاّ إيدينا مكانتش جاهزة تشيل الحِمل؟! حتقولي إن المشكلة بس كانت إن الجيش ورجالته هما اللي مسكوا إدارة البلد بكل مناصبها المدنية بدون ما يكون عندهم خبرة ولا كفاءة؟ طب هوه مين اللي كان بيهلل لعبد الناصر ورجالته وقراراته واختيارته؟ مش المدنيين من الشعب سوا كانوا مثقفين أو ناس عاديين؟ طب هما كانوا بيهللوا عشان شافوا إن الدنيا بقت أحسن وإن القرارت دي جابت الخير لمصر؟ ولاّ هما ما كانوش شايفين ولاّ ماكانوش فاهمين ولاّ كانوا مضلّلين ولاّ كانوا خايفين؟
طيب.. الشعب ده بقى اللي هوه يا إما مش فاهم أو مضلل أو بيستعبط أو خايف، لو كان هوه اللي تولي إدارة البلاد من غير كفاءة ولا خبرة برضه هل كان الوضع حيختلف؟ طب يا ترى كان حيبقى ديمقراطي؟
طب يمكن ناصر كان حلو وبداية الوكسة كانت مع حكم السادات والانفتاح وجواز رأس المال من السلطة واللي جره علينا ده من فساد ملازمنا لغاية دلوقتي زي ما بعض الناس بتقول؟ طب هوه لو السادات ما فتحهاش، يعني كانت حتفضل مقفولة؟
يعني مع تطور الدنيا والعالم حواليه كان ينفع يعمل كده؟
يمكن مش الانفتاح يمكن كامب ديفيد وإن إحنا بقينا تابعين لأمريكا من ساعتها لحد دلوقتي؟ طب هوه السادات كان في إيده حل تاني يرجع بيه الأرض اللي ضيعها اللي قبله غير كده؟ طب كان ينفع يتقدم في الحرب على الأرض أكتر من كده؟ طب كان يقدر يستمر كام سنة كمان في الحرب دي؟ ويصرف عليها منين؟ طب لو السادات ما عملش الاتفاقيه وإسرائيل فضلت تبني مستوطنات في سيناء؟ كانت حتخرج بعد كده بسهولة؟ طب هيه خرجت من أي أرض احتلتها سنة 1967؟ حتقولي سيادتنا مش كاملة على سيناء ومش من حقنا ننشر قوات الجيش بالشكل اللي إحنا عاوزينه، طب حد منع أولي الأمر من المطالبة بتعديل الاتفاقية بعد فترة من التأكد من جدية نية السلام؟ طب حد منع أولي الأمر من تنمية سينا طول السنين دي بدل ما تبقى مفرخة للإرهابيين؟ صاحب الاتفاقية رجّع الأرض واتقتل! واللي جه بعده كانت سينا وأخواتها في رقبته!
سؤال أخير: هوه لو السادات ما عملش الاتفاقية، ده كان حيمنع أمريكا إنها تبقى قوة عظمى وإنها تتدخل في قرارات الدول الأضعف اللي ما حاولتش تقف على رجليها بعد زوال الاحتلال وتنهض وتتعلم وتتحد عشان تقدر تواجه أمريكا وإسرائيل بقوة حقيقية مش بشعارات بق فارغة؟
المشكلة في الاتفاقية ولا في اللي ما اتعملش بعدها؟
طب يمكن المشكلة زي ما بيقولوا إن مكانش فيه ديمقراطية طول السنين دي؟ بس إحنا عمرنا ما اتقدمنا في ظل الديمقراطية؟ وحضارتنا الفرعونية وحضارتنا الإسلامية ونهضتنا الحديثة على إيد الحاج محمد علي كلها اتبنت على أسس ديكتاتوية بحتة ولا تعرف رأي شعب ولا يحزنون؟ حتقولي ده كان زمان وإن الدنيا اختلفت؟ يعني بذمتك مفيش دول ديكتاتورية دلوقتي متقدمة ولا ليها ثقل اقصادي ولا مواطنيها عايشين كويس؟ طب وحنروح بعيد ليه؟ مش دول الخليج اللي حوالينا دولا ملكية لا فيها ديمقراطية ولا دياوله! والمواطن فيها عايش زي الفل بتحترم آدميته وبتتصان كرامته وبيهتموا بتعليمه ومش خايفين ولا حاجة أنه لمّا يتعلم يثور ويطالب بحقوقه! طب أشمعني إحنا يا رب اللّي ديكتاتوريتنا مشمومة؟ ولاّ حد باصص لنا فيها؟
هوه صحيح أن العائلات المالكة بتاخد من خير البلد كتير، لكن بتسيب شوية كتير برضه للناس.
طب ما الخير في مصر كتير والله وممكن يكفينا كلنا ومكناش حنعترض خالص لو عيشتونا زي بتوع الخليج وخدتم الحكم وورثتوه لعيالكم! يعني هوه الموضوع كان عايز بس شوية مصلحة عامة مع المصلحة الخاصة مع شوية فهم وتركيز وحسن إدارة من مجموعة بتفهم؟
على فكرة والله ممكن بطانة الرؤساء ومعاونيهم يكونوا من أهل الولاء والكفاءة برضه.. مش لازم ولاء بس.. كنا نتعب بس في التدوير شوية.
طيب لو سلمنا إن النظام تابع لدول أكبر وشكله من فترة كبيرة ديمقراطي وجوهره رأي واحد وبطانة غبية مؤيّدة وفي إيديهم شوية ناس بفلوس مربعة فوق وتحت شعب للأسف بيتلاعبوا بيه من الخمسينيات لحد دلوقتي، وحتى لما بتجيله فرصة الاختيار بيلبس في الحيط! هل كان من المستحيل في ظل كل ده إن أي حاجة كويسة تتعمل أو إن أي مشكلة مستعصية أو تافهة تتحل خلال الأربعة وتلاتين سنة اللي جم بعد الرئيسين اللي فوق؟
يعني لو شرّبوا الشعب ميه مش ملوثة، ده كان حيأثر على بقاء الرؤساء على قلب اللي جابونا؟ طب لو عرفوا يشيلوا الزبالة من الشوارع، ده كان حياكل حتة من التبعية الأمريكية؟ طب لو رشوا الزرع بمبيدات مش مسرطنة أو حلوا مشكلة ضخمة زي حرق قش الأرز، كانوا الديكتاتوريين حيشاوروا عليهم ويقولوا العبط أهم؟ طب لو عملوا مشروع قومي لتصنيع الأستيكة والقلم الرصاص، كانت حتبقي نقطة سودة في السي ڤي بتاعهم؟ طب لو علموا عيال المدارس تقرا وتكتب بس، كانت دول العالم حتاكل وشهم مثلا؟ ليه محدش فكر يعمل ده ولو على سبيل التغيير أو حفظ ماء الوجه أو حتى المنظرة أمام العالم بشوية إنجازات؟ هل كل المسئولين كانوا بياخدوا تعليمات تحذيرية مكتوبة أو بالسيم من محاولة تشغيل الدماغ؟
سؤال أخير: هوه ليه كل المسئولين على كل المستويات بيصروا على استفزاز الشعب وعلى توصيله لدرجة الانفجار؟ طب هما مش عارفين لما بينفجر بيعمل إيه؟ ليه بيسخنوه طيب؟ مش هما متعلمين وبيشتغلوا في السياسة؟ طب ما سمعوش عن شعرة معاوية؟ طاب مش من باب السياسة والذكاء -لا الضمير والعدل- إنهم يحافظوا ع الشعرة دي برضه؟
سؤالي الختامي.. سؤال اعتراضي له أو مالوش دعوه باللي فات خالص:
هو ليه اللي بيجيبوا أقل مجموع بيدخلوا الكليات اللي بتخرج. و. و. اللي هما بعد كده بيمسكوا أعلى مناصب في الدولة؟ مش المفروض إن العمل في الجهات دي محتاج مستوى ذكاء عالي، ومش التحصيل الداراسي الواطي مؤشر على مستوى ذكاء معين برضه ولا إييييييييه إخواني السذج؟!