هالة الزقم تكتب: أينعم.. أنا واااااطي!

كان رجلا من الجبارين في الأرض.. أو هكذا ظن.

سهلت له قدراته في النفاق ومقوماته في الفساد وعلاقاته بالمشبوهين من المسئولين أن يتبوأ منصبا عاليا في إدارة أحد مشروعات الدولة في عصر مبارك الميمون.

وكان ككافة أقرانه من ذوي المناصب منعدمى الأخلاق والكفاءة يتباهى ويتلذذ دوما بقدرته على إيذاء البشر -أي بشر- (شخصا كفءً يُشعره بنقصه، شريفاً يحاول كشف فساده، موظفة عفيفة ترفض تحرشه الجنسي، ذا كرامة لم يمنحه التعظيم الكافي الذى يرضي غروره المَرضي أو أخطأ دون قصد في ذاته التي يظنها مقدسة….. إلخ)

وشاء حظى العثر أن احتك بهذا المخلوق المريض أثناء عملي السابق، و يبدو أن إحدى الحالات السابقه للبشر الذين يهوي إيذاءهم تصادف توفّرها فيّ، وأقسم بالله أني لا أدري حتى هذه اللحظة ما هي علي وجه التحديد؟؟!!!

فما كان من الرجل إلا أن هاج وماج وثار وهدد وتوعَّد، فقد تجرأت عليه موظفة صغيرة سنا ومقاما، ولم تخش نفوذه وتاريخه في تدمير مسقبل الكثيرين الذى ربما كانت تجهله، وأخذ يتصل كالمجنون بكافة القيادات في عملي وبأعلى المسئولين في محافظتي، حتى وصل الأمر إلى سيادة الوزير المحافظ شخصياً !! وكل هذا في محاولة لإقالتي من وظيفتي رغبة في تأديبي وعقابي! واندهشت كثيرا عندما علمت بهذا! إن كان عظيما وقديرا كما يظن لمَ ينزل من برجه العالي ليضع نفسه في خصومة شخصية مع من هم أدنى منه؟!

وهيأت نفسي للفصل، فقد كانت مساعيه قاب قوسين أو أدني من النجاح، لكن الله يفعل ما يريده هو، وليس ما يريده البشر، وكما يدفع الظالمين بالظالمين قد يدفعهم أيضا بالصالحين، فقد شاء عز وجلّ أن يسخر لي أنا الأخرى مسئولا كبيرا على نفس القدر والقامة والنفوذ، وقف بجانبي وحماني إيمانا منه بمظلوميتي ولأنه قد احتك مسبقا بهذه الشخصية المريضة ونال بعضا من غطرستها وحمقها.

ومر وقت طويل ولم أنس قط هذا المخلوق الذى لا تسطيع مطلقا أن تسبغ عليه أيا من الصفات البشرية!

وقامت الثورة وعلمت أن هذا الرجل عُزل من منصبه، وفرحت للغاية.. ظننت كمعظم

المصريين أن هذه مقدمةٌ للتخلص من الفاسدين، وبعد فترة علمت بالصدفة أنه قد أصابه المرض وأنه نزيل بإحدى المستشفيات، ولم أستطع أن أقاوم رغبتي في زيارته، ولم يكن دافعي بالطبع هو الاطمئنان عليه، بل كان دافعي هو التشفي فيه.

نعم….. كنت أريد أن أتشفى فيمن تجبر وظلم وتباهى بظلمه وبجبروته وفساده، وكان  ضميرى مرتاحا للغاية!

وذهبت.. ودخلت عليه.. ونظرت إليه بقوةٍ في عينيه باحثة عن التعالي والغرور والشر، عازمةَ أن أسمع إياه قصيدة عصماء عن انتقام المولى عز وجل، مذِّكرة إياه بخطاياه وكبائر ذنوبه، ولكنى لم أستطع أن أسمعه شيئا من هذا!

ولم ينطلق لساني سوى بدعواتٍ متتالية بالشفاء! والمدهش أني كنت صادقةً في الدعاء! والمثير أني ضبطت نفسي في حالة إشفاق عليه! فلم أرّ إلا وهنا وتخاذلا ورعبا يطلون بصعوبة من جسدٍ هزيلٍ هدّهُ المرض، وصرخت في نفسي معاتبة:

\”كيف يستحق مثل هذا المخلوق التعاطف؟!\”

\”هل يستحق أصلا أن يعامل كآدمي من البشر؟!\”

\”أنسيتِ كيف كان يعامل هو الناس؟!\”

فهمست لنفسي محاولةَ تهدئتها وتطييب خاطرها: \”صعب قوى الواحد يبقى واطي\”

يا إلهي .. لم أستطع مجرد الشماتة في مخلوق يستحق كل اللعن، فكيف يستسهل كثير من الناس ما هو أبشع من ذلك بكثير؟ كيف يستسهلون إذلال وإهانة البشر الذين كرمهم الله؟ كيف يستسهلون هتك الأعراض وانتهاك الحرمات؟ كيف يستهلون قتل النفس بغير نفس أو فسادٍ  في الأرض بدمٍ بارد ونفس راضية؟

كيف يستلقون في نهاية اليوم على الوسائد؟ ويسترجعون ما فعلوه في يومهم ويبتسمون في فخر وإعزاز مومئين برؤوسهم مجيبين على سؤال لم يطرح: \”أينعم.. أنا واطي\”؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top