منذ اخترت أن أشجع الزمالك من حوالى خمسة عشر عاما، وأنا أشجع الكيان.. أشجع النادى.. لست من أولئك الذين يخوضون معارك جانبية من أجل لاعب معين فى الفريق، ولا أميل كثيرا لفكرة نجم الشباك، رغم أنه فى فترات قليلة ربطتنى علاقة مميزة بأصحاب الرقم 14.
ولكن بالنهاية لم أجد نفسى يوما أشجع أحدا بالفريق أو أتعاطف معه، أكثر من تشجيعى للفريق نفسه.
أما اليوم ونحن على بعد عدة ساعات من نهائى البطولة الأفريقية الأهم، أجد نفسى وبشكل غريب أشجع مؤمن سليمان وشيكا، وأتعاطف معهما أكثر من تشجيعى للزمالك. أتمناها من أجلهما أكثر مما أتمناها للزمالك! وسأحزن حتى الموت لفقدانهم إياها، أكثر من فقدان الزمالك للقب، فالزمالك لديه فرص حتى نهاية الزمان ليعوض فقدان اللقب.. لن يقلل من قيمته بطولة، كما أنها لن تزيده قيمة، أما بالنسبة لمؤمن وشيكا فالوضع مختلف.
مؤمن سليمان هو مثال للعمل الجاد الصموت، فهو ذلك الرجل الذى لم يعرفه أحد تقريبا من جماهير الزمالك حين عاد للزمالك مدربا فى فترة عصيبة، هو ذلك الرجل الذى قبِل مسئولية مخيفة فى وقت مخيف، والذى عمل بصمت وبجد فى وقت صرخ فيه الجميع مطالبين بمدرب أجنبى.. ذلك الرجل الذى جاء ليعمل بصفة مؤقتة وتحمله الجميع حتى مباراة الأهلى والتى كانت من وجهة نظر الجميع ستطيح به فى أى من الأحوال.. ذلك الرجل الذى لا ينتمى لما يعرف بأبناء النادى -الذين اعتادوا على حمل معاول الهدم فى أول تصادم بين مصالحهم والنادى وميدو خير دليل- ذلك الرجل الذى لعب فى صفوف النادى فى فترة من الفترات ثم اختفى فى صمت، والذى لا يدخل فى زمرة أولئك المتشدقين بحب الزمالك.
أما شيكا فهو المثال الصارخ والحى للموهبة الكاملة، والذى من أجله أورثنا القدماء عبارة (الحلو مايكملش).. ذلك الصبى الأسوانى الذى يحمل من الطيبة والعفوية والحب للجميع ما يجعلك تشعر بأنه يخصك بشكل أو بآخر.. ذلك الإنسان الزملكاوى الذى ينتمى لنا نحن جماهير الزمالك من نشأته فى الغرف أسفل مدرجات زامورا، مرورا بحياته الكروية كلها.. هو ينتمى للزمالك من خلالنا نحن، وليس من خلال أب أو أخ أو عائلة زملكاوية عريقة.. هو ينتمى إلى القاعدة العريضة والقوية والبسيطة كبساطة شخصيته.. شيكا هو مثال للإنسان الموهوب الذى لا يجيد إدارة موهبته، والعفوى بشكل جعله يرتكب معظم الأخطاء إن لم يكن كلها.. هو الذى لا يعبأ بشىء.. هو ذلك الممتع المندفع، هو كالماء لا يُروض، ربما يدمر أحيانا، ولكنه سر الحياة.
إن خسر مؤمن البطولة سيرحل عن النادى ولن يتذكر أحد عمله الجاد وإخلاصه ودأبه، بل سيستمر ما بدأ بالفعل بعد مباراة الذهاب وبشكل أكثر شراسة وأكثر تجردا من الأخلاق. وشيكا لن يطول عمره بالملاعب كى تتاح له فرصة أخرى مثل تلك البطولة، فهى الفرصة الأخيرة لكليهما. فشيكا الذى امتعنا أكثر من أى لاعب حمل البطولات فى الزمالك يكاد ينهى حياتة الكروية وهو لم يحمل إلا الكثير من التشكيك والإساءة وحب جماهير الثالثة يمين، الكثير من هم الزمالك حمّله ذلك الفتى وحده وهذه هى فرصتة الأخيرة لينفض عن كاهله كل تلك الأحمال ويحمل شيئا يتوج الكثير من التعب والعرق والدموع.
فى مباراة العودة، لا أتمنى فوز الزمالك بالبطولة، بقدر ما أتمنى فوز العمل الجاد أمام التملق والوصول من خلال العلاقات والنفاق الاجتماعى.. لا أتمنى فوز الزمالك بقدر ما أتمنى فوز الموهبة الكاملة أمام أنصاف المواهب.. أتمنى أن تكون الحياة معهما عادلة تلك المرة.. تلك المرة فقط أتمنى أن تعطى الحياة أمثالهما من الصادقين والمحبين والمجتهدين أملا كى يكملوا طريقهم، كى لا يقفوا، كى لا ييأسوا، فما أصعب أن تسير فى طرق باتت مهجورة.
أيتها الحياة كونى عادلة هذه المرة فقط، وأمنحينا الأمل والقوة لنكمل طريقنا.