نور الدين رفعت يكتب: مقال فلسفي بغطاء سياسي

 

(1)

\”مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً\” – سورة المائدة، الآية 32

في ديسمبر 2011 سقط 17 شهيد في أحداث مجلس الوزراء، وفي نفس الأحداث حصل حريق في المجمع العلمي – اللي هو مبنى محدش اهتم به قبل الحريق ولا حد افتكره من ساعتها.. أيامها الإعلام العاهر مسك في موضوع الحريق وساب مقتل 17 بني آدم على ايد الدولة.. قعدوا المذيعين يتكلموا عن خسارة مصر لكتاب عظيم لن يعوض وهو كتاب \”وصف مصر\”.. كانوا بيصوتوا على الكتاب ده، لكن مفيش واحد فيهم اتكلم عن القتلى والمصابين بالمئات.

الكتاب كان بالنسبة للإعلاميين أهم من الأرواح، وكانوا بيقولوا إنه حاجة ماتتعوضش، لأن دي كانت النسخة الوحيدة (على أساس إن الأرواح بتتعوض ولها نسخ تانية).. جدير بالذكر أننا اكتشفنا بعدين إن الكتاب له نسخ كتير.. اللي قريت عن وجودهم: 4 في قصر عابدين وواحد في جمعية المهندسين المصرية.

المهم يعني إن أنا وقتها ماكنتش مصدق إن ممكن الناس دي تكون فقدت إنسانيتها لدرجة إنهم مش مديين الأرواح أي قيمة، لكن فات تلات سنين ونص، والواحد شاف حاجات في البلد دي نفسه مايكونش شافها ولا يتمنى لحد إنه يشوفها.. الحاجات دي قتلت جزء من إنسانيتنا.. أنا شخصياً أكاد أكون نسيت إحساس إن أنا عايز أولع في نفسي من الغضب من موقف الناس من موضوع استشهاد 17 بني أدم على يد  قَتَلة.

(2)

\”نعظ بقدسية الحياة، لكننا لا نطبق مواعظنا.\” – ݘورݘ كارلن

بالصدفة شفت صورة لأحد شهداء مجلس الوزراء.. علاء عبد الهادي طالب كلية طب عين شمس.. افتكرت فيديو شفته زمان لعائلته.. فيديو حزين ويبّكي.. زعلت فعلا لما افتكرته وحسيت بضيق وقهر، بعد كده لقيت نفسي بافكر في فكرة قدسية الروح. وبغض النظر عن قدسيتها، هل ممكن نفكر لها في قيمة ولا هي أغلى من إنها تتقيم.

أكيد كتاب ومبنى مش أغلى من 17 روح، لكن افرض غيّرنا المعادلة.. افرض روح واحدة قُصاد هرم خوفو مثلا.. لقيت نفسي باقول: لأ الهرم أهم من روح بني آدم واحد.. اعتقد ده رأي ناس كتير.. أولهم المؤرخين ومحبو التاريخ والحضارة البشرية.. الهرم له وضع خاص عموما، لأنه يعتبر بصمة للتراث الإنساني على كوكب الأرض.

الموضوع ده فكرني بخبر من مارس 2001: طالبان فجرت تمثالين بوذا في أفغانستان.. الدنيا اتقلبت.. حرفيا ماكانش في وكالة أنباء بتتكلم في أي حاجة غير الانفجار ده، واستياء العالم كله منه، ولسه بيتكلموا فيه كلما جات لهم فرصة.. اللي غريب في الموضوع ده إن الدنيا كلها ركزت على أفغانستان علشان تمثال، في حين ماحدش كان معبر ملايين الأفغانستانيين اللي كانوا بيموتوا من الجوع قبلها.

على عكس ما ناس كتير فاكرة، طالبان مافجرتش التماثيل دي لأنها أوثان والكلام الفارغ ده.. فجروها لأن المجتمع الدولي كان قرر يقدم منحة بملايين الدولارات للحفاظ على التمثالين، في حين الشعب كان بيموت من الجوع وماحدش سائل فيه.. حُط نفسك مكان أب شاف ابنه مات من الجوع وسمع خبر المعونة دي.

بلاش نضحك على بعض.. بعيدا عن الشعارات وحقوق الإنسان والجو ده.. المجتمعات البشرية مش بتقدس الحياة.

(3)

\”أكلُّ الرؤوس سواء؟ أقلب الغريب كقلب أخيك؟!\” – أمل دنقل، قصيدة \”لا تصالح\”

بلاش نكدب ونقول إننا بنقدس الحياة، لأن ده أبعد ما يكون عن الحقيقة.. أولا: إحنا بنقتل الحشرات عادي جدا.. ثانيا: بنقتل الحيوانات عادي جدا.. أغلبية الوقت للأكل، لكن أحيانا من أجل متعة الصيد كمان، فبداية كلام.. حياة الكائنات الأخرى مش مقدسة.

نيجي بقى على حياة الإنسان.. زي ما قلت فوق، مش مقدسة رغم إننا بنحب نقول إنها مقدسة.. الفرق الوحيد إننا بنديها قيمة أعلى من حياة الكائنات التانية، حسب أنت عايش فين طبعا.. في الولايات المتحدة أهالي ضحايا 11 سبتمبر أخدوا 2,6 مليون دولار على الروح الواحدة.. في حين أهالي شهداء الثورة المصرية نزلوا يطالبوا بقصاص ولادهم، فالداخلية ضربتهم، واللي محظوظ منهم أخد ما يعادل الألف دولار.. يعني الأمريكاني النهاردة تمنه 2,600 مرة المصري.. شئ مخجل.

دة تمن الروح بالنسبة للأنظمة.. بس بالنسبة لنا كأشخاص (وإحنا بطبيعتنا كائنات غير موضوعية)، فالقيمة بتبقى على أساس معرفتنا بالشخص اللي هنخسره.. يعني ممكن ناس توافق إن واحد غريب يموت علشان الهرم، لكن محدش هيوافق ان والدته تموت علشان الهرم، أو أي حد بيحبه.. مش لازم والدته.

(4)

\”وفاة شخص واحد مأساة، أما وفاة مليون فمسألة إحصائية.\” – ݘوزيف ستالين

اتكلمت مع واحد في الأفكار دي ولقيته بيقوللي: \”عادي طبعا إن واحد يموت علشان الهرم.\”، بعدين قاللي: ده حتى لو مليون واحد مات عادي برضه، ولقيته بيكلمني كإنسان آلي وبيشرح لي إن ده هيبقى مفيد للأغلبية من حيث مكافحة الفقر والكثافة السكانية والبطالة، إلخ… المصيبة إن وأنا باسمعه لقيت نفسي باتكلم معاه عادي، وباقتنع ببعض نقاطه، وبشبه كلامه بكتابات ݘون ستيوارت ميل.

(5)

\”يسقط كل من خان.. عسكر، فلول، وإخوان!\”

حالتي دي مش إستثنائية.. شباب كتير فقد جزء من إنسانيته.. ومش بس جيلنا ولا بس في مصر.. دي حالة عامة عبر العصور.. إيه اللي بيخلينا نفقدها؟ أخلاق الحكام! ناس ماتعرفش حاجة عن الرحمة، والمبادئ، والعدل.. ناس عايشة على الفساد، والظلم، والكدب، والنفاق، والمعايير المزدوجة، وإنعدام القيم.. الناس دي موجودة في جميع البلاد، لكن ما شاء الله، ربنا بلانا بعدد لا بأس به من النوعية دي في مصر.. هما حاليا مبسوطين وصوتهم عالي ومش فاهمين إن الدنيا دوارة.

بس مسير الملوخية تيجي تحت المخرطة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top