نورا تميم تكتب: الحزن المجرد هو الطريق الصادق إلى الواقعية

\"\"

لا أهدف إلى توزيع النصائح، بل أهدف إلى سرد مجموعة من الحقائق التى لم أكن أصدق بها فيما مضى، وبمرور السنين الطويلة أصبحت أؤمن بأن أصدق طريق إلى الحقيقة هو الحزن!
يقول ميلان كونديرا في إحدى مؤلفاته وهو كتاب \”كائن لا تحتمل خفته\” إن الإنسان تراوده أحيانا رغبة هائلة في السقوط، هذه الرغبة نابعة من صوت الفراغ الذي يغرينا وينادينا إلى أسفل ثم يفتتنا. بالأساس ليس فقط الشعور بالحزن أمر مهم، بل الرغبة في الاستسلام، الرغبة في الهروب، الرغبة في العزلة كل هذه المشاعر تتضافر في تشكيل الحياة الإنسانية المركبة فتخلق إنسانا حقيقيا، إنسانا تلامس أقدامه الأرض. أرضا واقعية صلبة!
فالإنسان يحتاج إلى مساحة شخصية ووقت كاف ليتأبط أحزانه ومعانته وحده منعزلا في أحد الزوايا البعيدة. القابعة في آخر الدنيا
فقد تتساءل ما هي أهمية الحزن؟
الحزن كأي شعور آخر خلقه الله بصدرك وبوعيك وفي روحك مثله مثل الفرح، الحب والكراهية على حد سواء، وكل هذه المشاعر تلعب أدوارا متفاوتة الأهمية في تشكيل إنسان حقيقى. الحزن يعطيك فرصة في لقاء ذاتك، في التحدث إليها وفي تجرع مرارها. إن شعورك بالحزن يساعد على تعمق أفكارك في أشياء لم تهتم بشأنها من قبل. فالإنسان دون حزن بالونة فارغة متخبطة الإتجاهات تحتاج إلى ثقل يحط بها أرضا ويلويها تحت وطأته.
\”فالحمل الأكثر ثقلا هو في الوقت ذاته صورة للإكتمال الحيوي في ذروته\”
الحزن يساعدك على النضوج والغوص في الروح الممتلئة بالمعاني النبيلة والخبيثة معا، فلا تطلب النجدة، لا تمد بيدك لأحد حتى يقوم بانتشالك، لأنك لا تحتاج للانتشال من ذاتك، لأنها فرصتك الحقيقية في الضياع بطيات أحشائك. إنك تحتاج هذا وبشدة.
يقول الكاتب المسرحي فردريش ديرنمات إنه لا ينقذ الإنسان إلا الإنسان أو بعبارة أخرى يمكن أن نقول: لن ينقذ ذاتك إلا أنت. إنك لا تحتاج سوى يدك الصادقة للخروج من الحزن والوحدة وحتى تصبح رغبتك في إنقاذ نفسك حقيقية يجب أن يصبح حزنك حقيقيا غير مصطنع بعيدا عن التزييف لأن إذا كان حزنك غير ناضج وغير حقيقي ففي هذه الحالة مزق عزلتك، زج بأفكارك القديمة لتبلعها غيمة سوداء وأخرج من الدهاليز المظلمة مواجها الضوء والبشر من جديد ولكن بهذه الطريقة قد تحشر رأسك في المنطقة الضبابية وهي أن تكون مصابا بتزعزع الرغبة الصادقة في الشعور بأي إحساس مكتمل النضج، فكيف لنا حلها إذن؟
\”أدمنت أحزاني. فصرت أخاف أن لا أحزن. وطعنت آلافا من المرات، حتى صار يوجعني بأن لا أطعنا\”
نزار قباني قصيدة \”أدمنت أحزاني\”
فإن الشعراء يكتبون للحزن ويكتبون عن الحزن شاكيين آلامهم مدمنين طعانته، والأدباء يتغزلون في الثقل الذي يولد من الحزن إنسانا واقعيا موضوعيا صاحب الذات الناضجة أو الذات التي تخوض معاركها في الطريق للنضوج.
نصيحتي لك بأن تحزن بمرافقة كتاب أو ورقة وقلم وربما موسيقى، ولا تسمح لأى أحد أن يقتحم هذه المساحة الحساسة فإن الإنسان حين يصير حزينا يصبح عاريا هشا كغصن في مهب الريح أوشك على السقوط ويستحيل النظر إليك، فهذا بمثابة النظر إلى عورتك، أمر محرج، يفضح ما تحاول ستره والاحتفاظ به لذاتك القاحلة.
أتمنى لكم حزنا صادقا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top