نوران الصادق تكتب: تعريف الله

في لحظات التخبط، التي لم تكن قليلة في سنوات المراهقة الأخيرة، قررت أن أفهم الله وأتعرف عليه قبل أن أحفظ كلماته حتي لا أقع في خانة \”مسلم علي الورق\”
ولأني -وكنت كأي طالب مجتهد يجلس في الصفوف الأولى بنظارة كبيرة فوق أنفه وقلم لا يغادر يده ولا الورقة من تحته يدون كل حرف- تلخص الفهم في عقلي إلى تعريفات وأسباب ونتائج.
هنا بدأت أبحث في كل ما تطوله يدي عن تعريف \”الله\”. تباينت الكلمات والمفاهيم، لكني تفهمتها كلها، موقنة أنه لا إجابة نموذجية شاملة لسؤالي. ليس تقصيرًا منهم ولكن إجلالًا لمن عظمت صفاته عن حصيلتنا اللغوية واستيعابنا الطفيف. في كل مرة كنت أشعر أني رأيت ذاك الإله الذي يتحدثون عنه يومًا، لمسته.
كبرت قليلًا وتخلصت من القلم والورقة ونزعت النظارة من فوق أنفي. صرت استمع أكثر للكلام العامي وأشعر قبل أن أدون، فهمت أن الحياة أكبر من تعاريف وأسباب ونتائج، أكبر كثيرًا وأبسط كثيرًا، ولا زالت أذناي تنصت أكثر وحدقتا عيني تكبر عندما يأتي الحديث عن الله. لا يزال الحديث متفاوتا ولا زلت أتفهم.
بدأت بعدها ألاحظ تكرار كلمة \”افتكاره رحمة\”.
لا اسمعها سوى في القبور والمشافي وبالقرب من الحرائق والخراب.
من ذاك الذي إذا تذكرنا دمرنا؟!
لا أبدو متفهمة. لم أعرف ذاك الإله ولم ألمسه؛ ولو كان كذلك لكنا تمنينا في لحظات الضعف البشري أن ينسانا قليلًا لنرتاح من الخراب الذي ينزل بنا إثر نظره إلينا وحاشا لله أن ينسى وحاشاه أن يغفل عنا وحاشاه أن يظلم.
الله، في تعريفي، ليس مدير شركة ينظر فقط في الأوراق المهمة ويترك الطفائف إلى مأجورين.. هو الذي خطط أن تتأخر على موعدك قليلًا لتنزل الشارع في الوقت المناسب وتسمع عجوزا تتغنى بموسيقاك المفضلة.
هو الذي ذكرك بكلمة في وسط صفحة من مئات الصفحات قبل الامتحان بثوانٍ لتكون هي إجابة سؤالك الأول.
في كل يوم تكون رعايته رحمة، نحن فقط نغفل ولا نتذكرها إلا في الحزن وما الله بغافل عن رضانا!
الله ليس مدرسًا يزرع سؤالا للطلبة المتفوقين في كل امتحان.
ما الله إلا الله.
ينظر إلينا جميعًا وكل منا من كل جانب، لا يحتاج أن يلتفت فيؤذي فنخاف ونهرع بقولنا إنها رحمة.
رحمته وسعت مقابركم ومشافيكم وأفراحكم ونومكم، وجوده رحمة وشمله رحمة، ونظرته التي لا تغفل، هي كل الرحمة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top