من التناقضات الكثيرة التي نصفها في تجاور منضبط على أرفف شخصيتنا الوطنية نحن المصريون، إننا شعب متدين بطبعه، لكن لنا تدين خاص. إنك لو سمعت عن فيلم سينمائي يسخر من الدين والأنبياء، ويتم عرضه في دار سينما مصرية، فإنك على الفور ستتوجه لتحطيم وحرق هذه الدار وأنت تصرخ: الله أكبر، وإن لم تواتك الشجاعة لتنفيذ ذلك بيدك، فإنك، من بيتك، ستشد على أيدي القائمين بهذا العمل البطولي.
لكننا عزيزي المواطن، نضحك ملء شدقينا حين نتابع الأفلام الكوميدية المصرية التي تسخر عادة من امرأة لا تحمل صفات الجمال، أو من رجل/ امرأة لون بشرتهما داكن قليلا، أو من قزم، أو من شخص سمين.. هيق هيق هيق.. \”حاغة تضحك قوي..ضحكنا ضوووووحك يا جرع\”.
نعم، مضحك جدا أن تسخر من أشكال الناس وأحجامهم وألوان بشرتهم، لا ترى في ذلك عنصرية بغيضة، بل، إنك عزيزي المواطن، المتدين بطبعه، والمستعد دوما لأن يفدي رسول الله بأمه وأبيه، لا يرى في ذلك سخرية من خلق الله منهي عنها في كل الأديان. أحب السينما بشكل عام، والكوميديا بشكل خاص، وقد تابعت أفلاما من شتى بقاع الأرض، خاصة الكوميدية منها، حتى الكوميديا الألماني السخيفة جدا، والكوميديا الإيطالي البذيئة، والكوميديا الفرنسي المعقدة، بل إنني شاهدت كوميديا هندية وتركية.. لم أشاهد في حياتي ثقافة كوميدية تعتمد بالأساس على السخرية من خلق الله، سوى الكوميديا المصرية ويقتفي أثرها دوما، الكوميديا العربية.
أمة الله الفقيرة، شخصية سخيفة جدا فيما يخص السخرية من الخلق، ويعود الأمر لعقدة سببتها لي والدتي، كنت في الرابعة من عمري، وكنا وقتها مقيمين في العراق، فعرض التلفزيون مسرحية \”شاهد ما شافش حاجة\”، تابعتها وأنا أضحك، حتى لمحتني أمي وأنا أضحك على مشهد لعادل إمام وهو يقول عن المتهم في المحكمة: وده ويتشاف من أنهي ناحية؟
فسارعت أمي قائلة: لا يا نوارة، ما تضحكش، ده بيتريق على خلقة ربنا، لو أنت واقفة على المسرح وهو اتريق عليك والناس ضحكت حتعملي إيه؟ فأجبتها: حاعيط.. بس هو ليه مش بيعيط؟ فقالت أمي: عشان هو فقير ومحتاج الفلوس بيسيب الناس تضحك على شكله.. فقلت لها: ولما بيروح بيعيط لوحده في الأودة يا ماما؟ من يومها وأنا لا أضحك على مثل هذه المشاهد، لإنك عزيزي المواطن، لا تضحك فقط على خلق الله، ولكنك تضحك على فقر إنسان وعوزه، اللذين دفعاه إلى قبول الإهانة.