نهى الجندي تكتب: إنا ها هنا قاعدون

\”يُحكي أن الأطفال كانوا يلعبون.. رأى الأطفال الأمير قادما من بعيد.. هرب الأطفال إلا طفلا وقف مكانه. قال له الأمير: \”لماذا لم تهرب مع الأطفال؟\” قال له الطفل: \”أيها الأمير ليست الطريق ضيقة فأوسعها لك، ولم أخطئ فأخاف منك\”.. شكر الأمير الطفل على شجاعته.

هذه القطعة درس لغة عربية موجه للصف الثاني الابتدائي.. درس عن شجاعة طفل في زمن ألف ليلة وليلة، لما كان العالم منقسما لأمراء ورعية.. درس جميل عن قيمة الشجاعة – لا أنكر هذا- لكنه لن يُنتج جيلًا شجاعا حين يُكتب بطريقة \”لما سألوني عن العدل في بلاد المسلمين قلت لهم عمر قد مات\”.

اتجنى على واضعي المنهج؟ ربما، وربما عرفت الفرق بين درس خيالي عن الشجاعة – وهي شيء جميل- وبين التطبيق العملي لتعليم الأطفال ولغرس قيمة الشجاعة الإيجابية في المجتمع وتوجيه الانتقاد الحاد للسلطة الحاكمة إن أخطئت.

الحقيقة وراء روزا باركس.. على نفس الكوكب طُلب من أطفال الصف الثاني الإبتدائي في مدرسة حكومية بريطانية – من اللي أبو بلاش- كتابة شكوى في هيئة الأوتوبيس الأمريكي ضد الحادث العنصري الذي واجهته الناشطة الحقوقية ذات الأصول الأفريقية روزا باركس.. روزا باركس في عام 1955 رفضت الاستجابة لطلب سائق الأوتوبيس بالتخلي عن مقعدها لرجل أبيض، ومن ثم تم القبض عليها والمثول لمحكمة بتهمة العصيان المدني في مقاومة قانون الفصل في النقل العام.. محاكمة باركس من العلامات الفارقة في حركة المجتمع المدني الأمريكي وحقوق الإنسان وإلغاء قوانين التمييز العنصري.

هذا ما عرفه ابن عامل السوبر ماركت البريطاني البسيط ذو السبعة أعوام.. هذا ما شكل وعيه نحو المجتمع، وهذا ما لم أكن أعرف عنه شيئا، حتى ذهبت صديقتنا الطبيبة المصرية إلى بريطانيا، وألحقت ابنها بالمدرسة هناك.. وغياب مثل هذا هو بالظبط ما فعله التعليم بالثورة.

سياسة الدولة واضحة.. أدعي محاربة الإرهاب.. خوّف فئات لم تتعلم معنى الحرية، واتطحنت اقتصاديا وروعت أمنيا.. اكبت أي معارضة إما بالمنع أو بالحبس.. أطلق مزايدينك بتسلم الأيادي.. تجاهل مصاب الفئات المستضعفة والمتضررة من حكمك.. المزيد من تسلم الأيادي.. اخطب مرة أخرى.. لا تكترث بغضب من يدعون الثورة أو من يدعون الشرعية.. الشارع ليس معهم.. الخطة محكمة، لكنها نست تفصيلة مهمة.. أنه إنا ها هنا قاعدون.. حنروح فين يعني؟

الفئة العمرية التي تتعامل الدولة مع غضبها باستخفاف الأب الذي يرى في ابنه الخبل، ويرى قمعه فائدة صحية، سيعرف قيمتها عندما يكبر.. أصبحت الآن بعد أربع سنوات من الثورة – أو الذكرى الجميلة كما سماها درس اللغة العربية للصف الثاني الابتدائي- أباء وأمهات أولادهم على أعتاب المدارس.. هناك من يولد لهم أطفال وأحباؤهم في السجن، فيسمون الأطفال على أسامي من فقدوهم، ليستمروا في مقاومة ما تعتقد الدولة أنها بالهيستريا والطناش يمكنها إخماده.

في اطار بحثي لأفضل أسلوب تعليمي متاح لظروفي المادية والحياتية، اكتشفت مجموعات مهمومة بالتعليم المنزلي والتعليم البديل.. التعليم المنزلي حتى الآن ليس متاحا قانونيا في مصر، لكن المجموعات الغاضبة تبحث بجدية في كيفية إلحاق الأطفال في مدارس بشكل صوري وتعليمهم بمناهج متطورة علميا وإنسانيا من المنزل.. لا يريدون لأطفالهم الاحتكاك بهذه الدولة.. وتلك هي المصيبة.

في البداية كانت فكرتي تطوير التعليم عن طريق إضافة اقتراحات أولياء أمور تضفي على المناهج شيئا من العمق أو التطبيق الذي يُكسب الطفل المهارة العلمية أو القيمة الأخلاقية المراد تدريسها له، ثم فوجئت أن معظم الدوائر التي تبحث خارج الصندوق، تبحث عن إطار تعليمي خارج النظام بالكامل، ولا يتفاعل معه إلا في أضيق الحدود، لأنه كفر بالدولة وبالمجتمع.. يزايدون على وطنية الجميع، فخلقوا المزيد من الشعوب والقبائل داخل الدولة.

في اطار محاولاتي لتسويق فكرتي لنفسي حتى، بحثت عن أي دولة.. أي بارقة أمل.. كان دور المجتمع المدني في إصلاح التعليم فيها فارفا.. دولة نامية أو كانت نامية.. لا يوجد.. صفر.. التطوير التعليمي لم يحدث إلا بإرادة قادة الدول في إطار تنمية اقتصادية، أو الكيانات الاقتصادية العملاقة تسعى لتطوير العمالة.. في الغالب الدور الذي أطمح في القيام به لن يكون ذا تأثير أكبرمن عدد قارئي مدونة اقوم بإنشائها أو أطفال أحتك بالتعامل معهم، والدولة مشغولة بالإرهاب أو بناء عواصم جديدة لمصر.. معروفة.

ثم تأتينا ذكرى روزا باركس، ورفضها التنازل عن حقها لمن يعتقد أنه أفضل منها، وهو ما مهد الطريق بعد ستين عاما لواحد من أصولها الأفريقية أن يكون رئيس أقوى دولة في العالم، لأن \”هناك احتمال لتتويج مسعانا بغير الهزيمة ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا\”.. صدقت رضوى عاشور.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top