قصة قصيرة
حمل أبو محمود أنبوبة البوتاجاز التي انتهت بيديه من مقبضها وقاعدتها ثم رجها بقوة كأنها زجاجة دواء كبيرة، ثم أوقفها مقلوبة على رأسها وأشعل عود الكبريت الأخير وقرّبه من عين البوتاجاز فلم تشتعل، فظل يدور بالعود مشتعلا حول العين المطفأة حتى قارب أن يلسع أصابعه فهزه بقوة في الهواء وهو يشتم أم محمود لأنها لم تستبدل الأنبوبة قبل أن تفرغ، وقال:
\”يعني هو الواحد ميعرفش يشرب أم كباية شاي في أم البيت ده؟\”.
ثم ضرب الأنبوبة المقلوبة بقدمه بقوة فسقطت على الأرض، واتجه إلى الباب وخرج وأغلقه خلفه بعنف أسقط النتيجة المعلقة بجواره، كان مكتوبا عليها: \”إن ينصركم الله فلا غالب لكم\” أخوكم وابنكم السيد لطفي مرسال عضو مجلس الشعب عن دائرة بولاق الدكرور الدورة المقبلة بإذن الله، وفي الخلفية صورة كبيرة للمرشح مركبة بالفوتوشوب وهو يقف في منصة البرلمان.
قامت أم محمود من جلستها على الأرض بجوار الكنبة، واتجهت إلى الأنبوبة، تحيرت هل توقفها على رأسها كما قلبها أبو محمود أم تعدلها على قاعدتها، وفي النهاية أوقفتها مقلوبة على رأسها ثم اتجهت إلى ورقة النتيجة وعلقتها في المسمار مرة أخرى.
لم تكن هناك أوراق نتيجة في اللوحة الكرتون التي تحمل صورة المرشح ومر على طباعتها ثلاث سنوات، رسب فيها أخوكم وابنكم السيد لطفي مرسال صاحب مخبز الحرمين في المطبعة فيصل ونجح منافسه مختار الحسيني صاحب محلات كشري الشبح.
استدارت أم محمود لتعود إلى مكانها بجوار الكنبة مرة أخرى، لكن الأنبوبة لم تستقر جيدا في الوضع الذي تركتها فيها فسقطت محدثة دويا جعلها تنتفض وهي تتفل في عبها وتقول: بسم الله الرحمن الرحيم.
مر أبو محمود من أمام مقهى \”عش البلبل\” أكثر من مرة يفتش عن أي شخص يعرفه يمكنه أن يجلس معه ويشرب شايا دون أن يحاسب، فلم يجد، فذهب إلى عطيّة الموّان ليسأله إن كان أحد الزبائن سأل عنه، أو عن أي مصلحة أو شغل، فوجد زحاما أمام المحل ولم يجد بالداخل سوى بهاء ابن عطية الكبير، سأله عن أبيه فقال له:
طلع ينام.
وحين استدار لينصرف ناداه بهاء:
كان في زبون بيسأل عليك.
فين هو.
مشي.
انت عارفه؟
لأ
طب ما سابش نمرته.
لأ.
طب ماوصفتلوش البيت؟
لأ.
أراد أبو محمود أن يطيل الكلام أكثر مع بهاء حتى يصل إلى هذا الزبون أو يعرف واحد من الواقفين أنه نقاش فيطلب منه عملا، لكن بهاء انشغل بالزبائن وظل يغيب طويلا داخل المحل حتى يخرج بعلبة لاكيه أو جالون بلاستيك.
سار أبو محمود بلا هدف، وكل قليل ينخلع إصبع الشبشب الذي يرتديه ويسقط من قدمه فينحني ويتناوله ليحشر الإصبع في الثقب الذي صار متسعا عليه ويرميه ثم يدخل رجله فيه، أخذته قدماه إلى الزحام قبل مزلقان أرض اللواء، حتى وصل إليه نداء صبية الميكروباصات: \”خشب.. مترو.. خشب\”، و\”دقي جيزة.. دقي جيزة\”.
شعر أنه لن يستطيع السير أبعد من هذا لأنه لم يستخرج بطاقة الرقم القومي، وإذا استوقفه أمين شرطة وسأله عن له بطاقته فربما يمد يده عليه أو يأخذه إلى القسم، فاستدار راجعا إلى أرض اللواء.
اليوم يمر عليه أربعة أشهر تقريبا لم يعمل فيها، باع الموبايل وحلق زوجته وجلبابا أبيض أعطاه له زبون هديه بعد أن جاء من العمرة، واقترض 300 جنيه من عطية الموان و150 جنيها من صبيه علاء الذي صار أسطى يطلبونه بالاسم، طلب منه أبو محمود أكثر من مرة أن يأخذه على جناحه إذا جاء عمل، وحتى ينفي أي حرج قال له بمزاح وهو يخبطه على ظهره:
واعتبرني أنا يا عم اللي صبي تحت إيدك وشغلني باليومية.
لكن علاء لم يطلبه في أي مقاولة، وصار يتهرب منه حين يطلبه من موبايله قبل أن يبيعه ولا يرد، وإذا رآه مصادفة بعدها وعاتبه يقول له:
معلش يا اسطى أصلي كنت شغال والموبايل بيبقى بعيد عني.
كف أبو محمود عن مطاردة علاء، ورفض عطية أن يقرضه مرة أخرى، لكنه وعده بأن يدل الزبائن عليه.
أحس بالجوع لكنه تجاهل ألم بطنه وشعر أن رأسه ستنفجر إذا لم يشرب شايا ويدخن سيجارة، لمح مسمارا صغيرا في الأرض فانحنى عليه وتناوله ورفع فردة الشبشب المقطوعة، ثقب إصبع الشبشب من أسفل النعل ودس فيه المسمار ثم ألقاه وجربه، صار أضيق لكنه ضمن أن الإصبع لن ينفلت مرة أخرى.
وقف أمام محل موبايلات مستعملة، وسأل عن سعر عدة نوكيا 1110 فقال له البائع 70 جنيها، فأومأ له برأسه وانصرف، وبمجرد أن خرج من المحل كاد يصدمه توك توك مسرع لم ينتبه له رغم أنه يشغل بصوت مرتفع جدا أغنية: \”دنيا ملهاش عازة، الصحاب في أجازة\”، فشتم التكاتك ومن اخترعها في سره.
سار إلى المقهى مرة أخرى، وهو يفكر أنه لم يرسل نقودا لابنه محمود في الجيش حتى يمكنه نزول أجازه مثل زملائه بعد أن أرسل محمود يطلب نقودا مع أكثر من مرسال، وقف أمام باب المقهى فلمح عطية الموان يجلس بالداخل مع ثلاثة رجال لا يعرفهم وأمامهم أربعة علب سجائر 3 مارلبورو أحمر وواحدة روثمان وأربعة أكواب شاي ثقيل، تردد ثم دخل، وقف بجوار عطية وقال:
\”السلام عليكم يا حاج عطية\”.
فردّ عطية السلام فقط، وواصل كلامه مع الجالسين معه، وأبو محمود واقف لا يدري ماذا يفعل، فسحب نفسه ببطء إلى داخل القهوة، ثم وقف أمام المبولة وفتح بنطلونه وحاول فلم ينزل شيء، ثم مر على عطية وهو راجع فلم يكلمه، فخرج.
ظل أبو محمود يدور في شوارع أرض اللواء حتى هده التعب فعاد إلى البيت، طرق الباب وحين فتحت له زوجته، سبها بأمها وأبيها لأنها تأخرت عليه في فتح الباب، وخلع حزام بنطلونه وظل يضربها به، وهي تجري أمامه وتدافع عن نفسها بأنها لم تتأخر، وأنه لم يطرق سوى مرة واحدة، سقطت النتيجة مرة أخرى وهو يجري وراءها، ولم يتوقف عن ضربها إلا حين شعر بالتعب، وانزوت هي في ركن الحجرة تبكي، فدخل الحمام وحاول أن يتبول مرة أخرى فلم ينزل شيء، فخرج وسألها:
\”انتي كلتي حاجة؟\”.
فأجابته بأنها لم تأكل منذ الأمس، وواصلت بكاءها، فقال لها:
\”طب اخرسي مش عاوز أسمع صوتك، أنا هنام\”.
وتمدد على السرير بملابسه.
سمعت صوت شخيره فقامت من مكانها وأعادت النتيجة إلى مكانها وأدخلت الحزام الذي كان يضربها به في البنطلون مرة أخرى، وركنت شبشبه بجوار الباب، وخافت أن تصعد إلى السرير لتنام بجواره فتوقظه ففرشت سجادة الصلاة ونامت فوقها على الأرض.
مجموعة \”ستوديو ريهام للتصوير\”
حفل التوقيع الجمعة 5 فبراير
الساعة 5 مساء
بجناح الدار المصرية اللبنانية – العرض المكشوف (الهناجر) أمام سراي إيطاليا – بوابة ممدوح سالم الموازي لصلاح سالم.