ندى جمال عيسى تكتب: محاولة لفهم سيكولوجية حامي المتحرش

قررت أن أكف عن متابعة أى قضية متعلقة بالتحرش الجنسى فى هذه الفترة، وعن قراءة أى مقال خاص بالكارثة ذاتها.

مع الوقت بدأت أعتقد أنها كارثة بالنسبة لنا نحن فقط، بالنسبة لكل فتاة تسير وهى متوقعة ملامسة الغرباء لجسدها، فهذا الجسد متاح لهم ولأعينهم ولكلماتهم التى يقذفوننا بها.
قد يكون ذلك حالة من اليأس ناتجة عن حالة التعايش مع التحرش والقبول به كأمر واقع، أمر واقع سىء نحاول اجتنابه، فقط اجتنابه.
أقدر تمامًا الجهود المبذولة لمواجهة التحرش من إطلاق المبادرات وكتابة المقالات والتدوين وغيرها، ولكنى أرى أن من يقف فى مواجهة تلك الجهود ليس المتحرش، فمن واقع المواقف التى تعرضت لها وتعرضت لها صديقاتى والمواقف التى تم تدوينها، نتأكد من كون المتحرش -فى الأغلب- شخصا جبانا، تستطيعين \”فشخه\” فقط بقدر من الشجاعة والجرأة.
لكن حينها ستواجهين أعضاء رابطة \”حماة المتحرش\” وهم كُثر، ومتنوعون، منهم السيدة الوقورة التى تبذل كل طاقتها فى إقناعك بعدم التعرض للمتحرش -آه والله أنتِ اللى ماتتعرضيش له- وأن لا تتخذى خطوة الذهاب إلى القسم وعمل محضر له وإن تمكنتِ من الإفلات بالمتحرش من هذه السيدة وتوجهتِ به بالفعل إلى قسم الشرطة وكُللت المهمة بالنجاح، غالبًا ستجدين أمين شرطة فى غاية اللُطف يقنعك هو الآخر بأن \”المسامح كريم يا أبلة\”.
وقد تتعرضين لسيناريو آخر، أكثر خطورة وقهر من الأول، وهو عبارة عن التفاف عدد لا بأس به من المواطنين حولك، أشبه بالمواطنين الشرفاء بتوع المظاهرات والوقفات الاحتجاجية والعياذُ بالله، يطلقون عليكِ الشتائم والسباب، وفى مرحلة مواجهتك لهم يهرب أو يتم تهريب المتحرش بسلام.
ولعلكِ لم تقابلي حتى الآن الضابط الذى تلجأين إليه لوجوده فى الوقت الذى يتم فيه التحرش بكِ فيعاملك على أنك بائعة هوى ومن ثم يحاسبك على وجودك فى الشارع فى هذه الساعة المتأخرة من الليل ويترك المتحرش يمشى بسلام أيضًا.

نعم، قد يتحول النجدة وحامى الحمى إلى حامٍ للمتحرش عادى!
وبالرغم من تنوع حماة المتحرش واختلافهم، إلا أنهم متفقون على أداء مهمتهم وهى حمايته والدفاع عنه باستماتة.
إذن. الأمر الأهم حاليًا هو فهم سيكولوجية حامى المتحرش، فهم ما يدفع شخصا لحماية مجرم، التعرف على النفع الذى يعود عليه مقابل تلك المهمة وهل هناك نفع من الأساس؟ وإن كان حتى نفعًا معنويًا فما هو؟
هل هو شخص مغيب لم يسمع عن التحرش من قبل، ولذلك لا يُجيد التعامل معه؟

ولكن للأسف ذلك التفسير غير منطقى. فلا يوجد شخص بالغ عاقل فى مصر لا يُدرك معنى التحرش وله موقف تجاهه سلبيا أو إيجابيا!
هل الدافع ديني، بمعنى أنه يتصرف وفقًا لمفهوم دينى معين يتضمن أن المتحرش بها هى السبب.. لبسها أو طريقة مشيها أو حتى ضحكتها؟ وقد يكون ذلك أقرب إلى الواقع، فحتى الآن لا أنسى إحدى حلقات برنامج داعية ما أتى فيها بمانيكان ليصف عليه الطريقة الصحيحة للبس الفتاة، ومناطق العورة التى يجب تغطيتها، بطريقة تدفع المشاهد لتخيل بأن من لا ترتدى ذلك الزى بتلك الطريقة حلال فيها أى حاجة!

أم أن من يحمى المتحرش هو متحرش أيضًا، ولكنه فشل فى ذلك مما دفعه للتضامن مع أمثاله؟!

ولعل ما يعزز تلك الفرضية هى أن بعض المدافعين عن المتحرش يعتدون على الفتاة ويتحرشون بها بمنتهى الوحشية، أو أنه عاجز جنسيًا ويجد فيما يفعله غيره انتصارا لما لا يستطيع هو فعله!
والمبرر الذى غالبًا ما يتردد ممن يحمى المتحرش أنها \”تستاهل\” أو \”هى عايزة كده\”، لأنه بمنتهى البساطة صدر أحكام على المتحرش بها نتيجة لبس أو حتى إنها تكون ماشية فى الشارع فى وقت متأخر وهو ما يخضع لقانون \”العيب\”.
الأبحاث العلمية الطبية والاجتماعية التى تتناول سيكولوجية المتحرش عديدة وهامة للغاية، ولكن نحن الآن فى حاجة إلى أبحاث مشابهة لا تقل أهمية عن الأولى، لفهم سيكولوجية من يحمى المتحرش ويقف فى مواجهة الفتاة لحد التعدى عليها. قد تكون تلك الأبحاث محاولة لفهم المحيط الخارجى الذى يهدد أغلب الفتيات فى الوقت الحالى، محاولة تساعدها على فهم من يقفون ضدها نتيجة لقناعات لا تعلم عنها شيئا، محاولة يمكن أن تساعدها على المشى فى شوارع أصبحت تكرهها للغاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top