– ذكرياتى فى أيام رمضان لم تكن فى قمة الروعة كذكريات البعض، فمعظم أحداثها لم تكن باختيارى. أيام مليئة باللقاءات العائلية التي طالما كانت مزيفة، مُزينة بكلام باهت لا يثير الضحك أكثر من أنه يثير الاشمئزاز من نوعية \”صايم ولا زى كل سنة؟\”، \”بتصلى ولا لسه؟\”
جلسات أساسها الغيبة والنميمة، والمذهل أنه سرعان ما يتغير مسار الحديث ليحدثونك عن روحانية صلاة التراويح!
تلك اللقاءات التى تكون مجبورًا فيها على مشاهدة مسلسلات أنت لا تتابعها من الأساس! وعلى مناقشات لزجة تمتد لزوجتها إلى التدخل فى شؤونك الخاصة.
نعم، فقد يتحول المجلس ويكون على شرف حياتك وتفكيرك وما تعتقده.
– أيام مرتبطة بالنصح والحث على الصلاة وقراءة القرآن، للحد الذى تصل فيه للمعاندة، ليس رفضًا للفعل بقدر ما هو تحديًا ورفضًا للآمر ذاته.
تفسير منحرف لبعض الآيات القرآنية كمحاولة لإيضاح مدى كفرك بدينك.
تعليقات على كل تصرف لك قبل وبعد الإفطار ومقارنته بالتعاليم الدينية والسنة النبوية.
الأهم أن كل ذلك كان موجهًا لطفلة لم تتجاوز العشرة سنوات بعد.
– كنتُ اتابع شيوخ القنوات الفضائية فى ذلك الشهر عن كثب، اتذكر مشاهدتي لبعضهم قبل أن يصبحوا نجوم الموسم. لم اتأثر يومًا ببكائهم أثناء حديثهم عن القصص الدينية أو الانهمار في ذلك البكاء خلال صلاة التراويح، كنت آراه فى سياق \”الشو الإعلامى\”، قد أكون مخطأة ولكنه هو إحساسى وشعورى حينها الذى استمر معى حتى الآن، فهى مجرد موضة لبعض الشيوخ يتبعونها وتتغير مع الوقت لتناسب الحدث، ولعل ما يمكن أن يوضح ذلك هى موضة الشيوخ \”المودرن\” فى الوقت الحالى، استجابة لدعوى تجديد الخطاب الدينى، حيث يرتدى هؤلاء الشيوخ الملابس الحديثة الرياضية لماركات عالمية كرسالة منهم أن الدين يسر وليس عسرا، وأن زي المشايخ لا يقتصر على الجبة والقفطان والكاكولا وأنهم بذلك أقرب للشباب. ولكن ما يغفلون عنه أن القُرب من الشباب لا يتمثل فيما يرتدون ولكنه يتمثل فيما يفكرون.
– كثيرًا ما كنت انظر لتصرفات من حولى فى ذلك الشهر سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو حتى جيران لأجدها لا تتسم بالتناقض فقط مع الأيام غير الرمضانية، بل كانت تتناقض فى الفطور عنها فى الصيام. كنت اعرف من يُطلق الشتائم المذرية بمجرد فطوره، وكان لدى صديقة لا ترتدى الحجاب إلا فى أيام رمضان -وأنا هنا لا انتقد الفعل فتلك رغبتها- ولكن ما انتقده هو السبب وراء ذلك، \”ارتديه فى رمضان حتى لا يُفتتن بى أحد\” ذلك ما قالته، فهناك شخص ما ارتكب جريمة وجعلها ترى نفسها سلعة يُفتتن بها الآخرون مما دفعها للحجاب فى الشهر الكريم.
– فى إحدى الرمضانات قررت أن أتعرف على مجتمع مصلى التراويح فى مسجد صغير بالقرب من منزلى، ومن المعروف أن وضع صلاة التراويح بالنسبة للنساء مختلف بشكل كبير عن الرجال، فحتى تكوني واحدة من أفراد ذلك المجتمع لابد أن تحظى بإعجاب شخصيات معينة، أبرزها سيدة موجودة باستمرار وهى التى تقوم بإلقاء الدرس الدينى على مدار العام، فهى بالطبع على معرفة برواد المسجد ولذلك تحاول أن تتعرف عليكِ سواء قبلتِ ذلك أو رفضته، وقد يتحول الأمر فى بعض الأحيان إلى التطفل -كسُنة رمضانية متفق عليها تقريبًا- ليس منها وحدها ولكن من معظم الحاضرات، فالمبدأ الأساسى الذى تتعامل به أغلب المُصليات هو أننا \”أسرة مع بعضينا\” وذلك ما تأكدت منه حينما ذهبت إلى مسجد آخر أكبر مساحة من الأول ولكنه يتبع نفس المبادىء وفى نفس الوقت يُلبى رغبات بعض السيدات اللاتى يبحثن عن العريس المناسب لبناتهن، وكذلك يُلبى فضول البعض من معرفة أخبار الجيران وتفاصيل حياتهم. من المؤكد أن هناك من يذهبن حُبًا فى تلك الروحانيات ولكنى لم أقابل منهن سوى القليل.
– فشلت فى التأقلم مع الجو العائلى، فقلما استطعت أن أخفى مشاعرى ورفضى لتناقضاتهم التى هى جزء من تناقضات مجتمع أكبر، كنت ولازلت أكره تعليقات أى شخص على تصرفاتى ومقارنتها بالأسس الدينية، فلكل منا حياته الشخصية ولا أحد منا على دراية بذلك الدين الذى نفسره تبعًا لأهوائنا ليلًا ونهارًا. كما فشلت فى الانتماء إلى أى أسرة من أسر المساجد، حيث وجدت أنه الأفضل لى حين أرغب فى الحديث إلى الله والصلاة إليه أن لا اربط ذلك بمكان أو وقت أو أشخاص. فتركيز من حولك معك كفيل بإخراجك من أى حالة روحانية. ومن وقت أن انتبهت إلى تلك السقطات، أصبحت اُدير تلك الأيام بالشكل الذى يحلو لى أو على الأقل باختيارى.