ندى القصبي تكتب: المافيا "الطيبة"!

ماذا سيحدث إذا أخبرك رئيس عملك أن لا مستحقات لك هذا الشهر وأن العمل الذي قمتَ به له هدف سامي ويكفيك هذا الفخر مقابل جهودك المبذولة؟

فكّر في السؤال مليا قبل أن تتابع القراءة.

………..

صدرت منذ شهر رواية \”لعبة العروش\” للمترجم هشام فهمي، وهي النسخة المترجمة للعربية عن رواية \” Game of thrones \”، ولم تحصل عليها المكتبات المصرية إلا منذ أسبوع تقريبا.

وبينما بدأت التهنئة للمترجم المصري، والحديث عن الرواية الجديدة وسعرها المبالغ فيه، فوجئ الوسط الأدبي بصدور نسخة إلكترونية للرواية الصادرة حديثا، ورغم أن قرصنة الكتب ليست أمرا جديدا والجدال حول شرعيتها من عدمه ليس بالجديد، إلا أن سرقة الرواية مبكرا بهذه الطريقة أثار استياء العديد من العاملين في الوسط الأدبي، من ناشرين وكتّاب. وأولهم المترجم هشام فهمي الذي عبّر عن استيائه الشديد بلغة أثارت احتجاج البعض.

وعلى الجانب الآخر اعترض القراء على ما سموه استغلال دور النشر، وأنه لولا وضع الناشر لسعر مبالغ فيه ما اضطر القراء لاستبدال النسخ الأصلية بالكتب المقرصنة.

هذا الخلاف الذي نشب ليومين على صفحات السوشيال ميديا، ليس ببعيد عني ولا أستطيع أن أتخذ موقفا حياديا، فأنا قارئة تورطت في القراءة الإلكترونية منذ زمن، بالتوازي مع شراء النسخ الأصلية.. أردت أن أقف وقفة في محاولة للإطلاع على مختلف الآراء.

وما سأكتبه هنا مجرد رأيي الشخصي بناءً على حديثي مع بعض العاملين في عملية النشر من كتاب وناشرين وأصحاب المكتبات.

……….

هل المشكلة في \”لعبة العروش\”؟

إجابة هذا السؤال طريفة إلى حد ما، فالمبرر الذي يتخذه القراء في قرصنة الكتب هو أن الثقافة ليست حكرا على أحد، ويجب على الكتب أن تتوفر للجميع.. الطريف أن رواية \”لعبة العروش\” لا تعتبر رواية أدبية، بل هي تنتمي للروايات التجارية – الروايات الخفيفة التي تحمل قصة جميلة تحّول في الغالب لأعمال فنية مرئية-  ومن المتعارف عليه أن هذا النوع لا يثير اهتمام المهتمين بالأدب، وإنما يثير القارئ الذي يبحث عن التسلية، وهنا يُطرح السؤال المهم: هل تسرق \”الكافيار\” لأنك جائع؟

هل دور النشر بريئة؟

ما لذي يحدث داخل عملية النشر؟

ولنبدأ برواية أجنبية مثل \”لعبة العروش\”، قبل البدء بأي إجراءات، على الناشر أن يشتري حقوق الطبع من الناشر الأجنبي، وهذه التكلفة تفسر لماذا التفاوت بين سعر الرواية الأجنبية وسعرها مترجمة.. ناشر \”لعبة العروش\” دفع تكلفة الحقوق تقريبا 5300 دولار، وهو ما يقترب من الـ40 ألف جنيه، كمبلغ مبدأي قبل البدء في عملية الطباعة.. يضاف إليها راتب المترجم والمدقق اللغوي والمصمم الداخلي، ومصمم الغلاف.. هذه الرواتب التي تدفع فوريا، أو على دفعتين على الأكثر، ثم البدء بتكلفة الطباعة.

ما لا يلحظه القارئ أن ارتفاع الأسعار لا يقع على عاتقه وحده، بل يقع على الناشرين أيضا بالنسبة لإيجارات المكاتب والمخازن ورواتب الموظفين والتكلفة التي يحتاجها نشر الكتاب.. هذا يمكنه تفسير السعر المرتفع للروايات الأجنبية المترجمة، لتغطية التكلفة المرتفعة وضمان المكسب بالطبع.

ما يراه القارئ هو الكتاب المطبوع والسعر المرتفع، فيبدأ بسب النصّابين الذين رفعوا السعر إلى هذا الحد.

هل تتضرر المكتبات؟

إلى حد ما يمكن اعتبار المكتبات أقل الأطراف تضررا من قرصنة الكتب، فهي تستطيع تعويض الخسارة بسهولة بالنسبة لدار النشر التي تتحمل القدر الأكبر للخسارة، ولجوء المكتبة لطرق أخرى للكسب مثل المنتوجات الأخرى واستغلال المكان في إنشاء جلسات قراءة ومقهى، لكن على المدى الطويل قد تتضرر المكتبات، بل ربما تصبح معرضةُ للإغلاق.

هل يتضرر الكاتب؟

على عكس دور النشر فعلاقة القراء بالكاتب يشوبها الحب.. ماذا لو علمت أن كاتبك المفضّل قد يتوقف عن الكتابة بسبب قرصنة الكتب؟

دور النشر تتعامل مع الكاتب بأحد الطريقتين.. إما النشر على حساب الدار بشكل كامل، أو اشتراك الكاتب في المصاريف، فإذا كانت دار النشر هي من دفعت تكلفة النشر ولم يبع الكتاب النسخ المطلوبة، فإن الدار ستفكر عدة مرات قبل أن تنشر لكاتبك مرةً أخرى، وربما ستخفض من عائده المادي. أما إذا كان هو من دفع تكاليف النشر، فسيفكر مليون مرة قبل إعادة تجربة النشر مرة أخرى.

هل يتضرر القارئ؟

دعنا نناقش الأمر بطريقة أكثر أنانية، فليخسر الجميع.. ما الضرر الذي سيقع عليك كقارئ مع استمرار قرصنة الكتب؟

ما تتعرض له دار النشر من خسارة من النسخ المقرصنة سواء الكتب المضروبة، أو الكتب الإلكترونية. يؤثر بشكل سلبي على المنتجات الأخرى.. بعض دور النشر الكبيرة التي استطاعت تثبيت جذورها بشكل جيد وضمان ربحها، تستطيع تجاوز هذه الأزمات دون أي تأثر، وسيكون حينها المتضرر الكاتب من حيث العائد المادي أو الأدبي، لكن دور النشر الأصغر ستتضرر.. هذا التضرر يدفع دار النشر لمحاولة خفض التكلفة، كالتنازل عن المدقق اللغوي مثلا أو الاستعانة بمدقق عمله أقل جودة، وهو ما سيفسد متعتك كقارئ.. أيضا قد تواجه اختفاء بعض الكتب التي تهمك قراءتها بشكل شخصي، لأن الدار لا تستطيع تحمل كلفة طباعتها.

هل يتضرر المجتمع؟

الربح السريع، ومواجهة الخسارة والتعامل مع مجتمع غير قارئ يجعل دار النشر تطبع أقل عدد من الكتب.. هذه العوامل تتسبب فيما بعد في نشر عدد مهول من الكتب لبعض الشباب -مبدئيا- سيدفع الشاب تكلفة الكتاب وعدد متابعين الكاتب على السوشيال ميديا.. سيضمن للناشر بيع عدة طبعات من الكتاب في وقت قليل، بالإضافة لركاكة المحتوى أو استخدام العامية غالبا، فلا حاجة لمدقق لغوي، وصغر عدد الصفحات سيوفر تكلفة الطباعة، لتصبح هذه الوجبة الدسمة لدور النشر أفضل من الكتب القيمة التي تترك مكدسة على الأرفف.

لماذا الدور العربية؟

يقوم البعض بمقارانات غير منطقية، بأن دور النشر الأجنبية لا تشتكي من قرصنة الكتب كما يفعل العرب، بل وصل الحال بالبعض إلى مقارنة دور النشر العربية ببعض الشركات العالمية كـ \”مايكروسوفت\”، وأن أغلب أجهزتنا كمصريين تحتوي برامج مقرصنة.. دعنا نحلل هذه الأقوال: مبدئيا دور النشر الأجنبية تنشر عدد نسخ أضعاف ما تنشر الدور العربية، وذلك لكثافة الشريحة القارئة في المجتمعات الأجنبية، فهو يحصد ثمن تكلفته مبكرا جدا، ولا يمر بالصراعات التي يضطر لها الناشر العربي.. أما بالنسبة للشركات العالمية مثل مايكروسوفت، فهي تحقق مكسبها بمجرد شراء الشركات الكبرى للنسخ الأصلية، ولا تؤثر القرصنة على أرباح الشركة.

ماذا يكسب المقرصن؟

ربما سيبهرك أن بعض المقرصنين قد لا يحصل على أي فائدة إطلاقا من قرصنته، لكن البعض قد يرى أنه يساهم في توفير الكتب لمن لا يستطيع شراءها على طريقة \”روبن هود\”، والحقيقة أن صراع أحقية الملكية الفكرية هو صراع طويل، يمكنك الإطلاع على جزء منه في هذا المقال الأجنبي.

بعضهم قد يستفيد من بيع الكتاب للمواقع التي تحصل على إعلانات بسببه.. هذا بالنسبة للمقرصن الإلكتروني.

أما المقرصن الورقي، من يقوم بطباعة الكتب مرة أخرى بنسخ رديئة وبأسعار قليلة، وغالبا على الأرصفة.. أي أنه لا يضطر لدفع تكلفة إيجار أو موظفين أو أي من التكاليف التي تتكلفها دور النشر والمكتبات، فهو يحقق ربحا مادي يمكننا الاستناد إليه في دافعه لهذه السرقة.

ما الحل؟

لا يمكن لدار النشر اللجوء للقانون في هذه القضية للأسف، وأيضا يؤسفني أن أخبرك أن انقطاعك عن قراءة النسخ الإلكترونية كفرد، لن يؤثر بشكل كبير في حل القضية.. الحل يكمن في أن يتوقف مقرصنو الكتب عن قرصنتها.. أما أنت كقارئ، فاختر ما يمليه عليك ضميرك.. يمكنك أن تقرأ النسخ الإلكترونية للكتب الأجنبية، يمكنك قراءة النسخ التي توقف الناشرون عن طبعها.. ويمكنك بالطبع الاستمرار في قراءة النسخ الإلكترونية.. وازن رأيك بناءً على المعلومات المتاحة أمامك.

لكن كن منطقيا رجاءً قبل أن تطلب من الكاتب أو الناشر أو المترجم أن يتخلوا عن عائدهم المادي من أجلك! عملهم هو إنتاج الكتب، وليس فقط إسعادك الشخصي! إلا إذا أحببت أن تشاركهم التكلفة المادية.

ملحوظات مهمة:

– عمر طاهر، أراد أن يحارب القرصنة بأن ينتج كتابا بطبعة أقل جودة كنسخة مخفضة للشباب، وذلك في كتابه \”أثر النبي\”، حيث بيع الكتاب بعشرين جنيها.. فوجئت بعدها بصديقتي تقتني نسخة مزيفة من على الرصيف اشترتها بـ35 جنيه!

– بعض الإصدارات تتوفر لدى المكتبات العامة ويمكنك الإطلاع عليها مجانا.

– دار الهلال، والهيئة، تتوفر إصداراتهم بأسعار رخيصة، تصل لخمسة جنيهات.. هذه الإصدارات ستضمن لك محتوى ثقافيا مفيدا.

– تبادل الكتب بين الأصدقاء من الحلول المنطقية لغلاء أسعار الكتب أيضا.

– يمكنك أن تعترض على غلاء المنتج بأن تتوقف عن شرائه، لا بسرقته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top