ندى القصبي تكتب: السيدة راء والسيدة عين.. نموذجان للحب

على مقهى ريش، قابَلت السيدة عين شريك حياتها ليخبرها في لقائهما الأول أن لا تقلق منه، فلن يحبها.

على سلم جامعة القاهرة، قابلت السيدة راء شريك حياتها، حين سمعته يلقي قصيدة، فتشبث قلبها به.

وبينما عرِفت السيدة راء حبها من أول نظرة، كان حب السيدة عين محاطا بالشجار والمشاكل.

فلم يكن السيد ألف – شريك السيدة عين – مستعدا لأن يشاركه أحد حياته الجنونية ولا أن تتعلق برقبته امرأة، فجاهد حبه طويلا، لكن السيدة عين انتصرت في النهاية.

بينما كان السيد ميم -شريك السيدة راء – يحتاج أن تشاركه امرأة الحب والوطن والقضية. .

السيدة عين:

لطالما ظننت أن السيدة عين قوية.. حبها عنيف يتخطى الممكن وغير الممكن وينتصر على كل شيء.. حبها سحري.. ذلك النوع من الحب الذي لا يمكنني الوقوع فيه، لطالما رددت أني أضعف من أن أكون عبلة.. لا يمكن لأحد أن يكون بهذه القوة.

لم يكن من السهل على \” عبلة \” ذات الأصل البرجوازي أن تقع في غرام الشاعر المعدم الذي يستدين ثمن مشروباته على مقهى ريش، ولا يسعى بأي حال لتكوين أسرة ، ولم يكن \”أمل\” أفضل حالا منها، فقد كان يخشى أن يرهِق حياة عبلة الناعمة، وأن تحبه عبلة فقط لأنه مختلف!

لكنهما صنعا من حبهما تحفة يتحاكى الناس بها، وتزوجا كصديقين . لتحتضن \”عبلة الرويني\” صديقها \”أمل دنقل\” خلال حياته رغم خوفه وابتعاده عنها وهربه من هذا الحب، لكن إلى متى يمكنك الهرب من الحب؟

سيعترف لها فيما بعد في إحدى رسائله بهذا الخوف:

\”كنت استغرق في الحب، لكنني في صميمي كنت هاربا من التمسك به، وأحيانا كانت تصرفاتي واختباراتي لمن أحب توحي للناظر من الخارج بالجنون، ونقلت لك منذ البداية أنني أطلب ولاء مطلقا، لكنني قلت لك أيضا إنك لو عرفتني جيدا فلن تتركيني، إنني أحس بالرقّة النبيلة التي تملأ أعماقك كسطح صافٍ من البللور، لكنني أخشى دائماً أن يكون هذا مؤقتاً لقد علمتني الأيام أن القلب كالبحر لا يستقر على حال\”

لكن أمل لم يكن مجرد مرحلة مؤقتة في حياة عبلة أو مجرد تغيير، بل كان كل حياتها وضوءها الذي تحتمي به.

\”قدر كبير من الفخر والمباهاة يجتاحني وأنا أعيش في منطقة ضوئه\”

حين قرأت كتاب \”الجنوبي\” لعبلة الرويني، والتي تجسد فيه سيرة مبسطة لقصة حبها مع أمل دنقل، فكرت كثيرا.. كيف استطاعت هي أن تتحمل كل هذا الجنون؟ وكم كان أمل محظوظا بهذه المرأة!

لكن عبلة التي انتصرت على كل من تكهن بفشل حبها، وعلى خوف أمل، وعلى نفسها، لم تتمكن من منع القدر أن يخطف صديقها.

\”إنه ظل قادرا على حمل البحر، بينما البحر لم يستطع أن يحمله.. أجمل سمكة نادرة في مياهه. ظل دائماً يبحث عن التوازن الصعب داخل هذا العالم المتواتر والمفروض حوله، ودخل هذا التناثر الحاد في كيانه حتى انفجر كل شيء.. وتمدد السرطان\”.

السيدة راء:

أنا أحب شَعر السيدة راء، بفتح الشين! شعرها القصير والذي تحّول للون الرمادي في عمرها الذي عرفته.. أحب لونه وتصفيفته.. أحبها أيضا حين تتحدث عن حبها بخجل، رغم أنها تستطيع تجاوز هذا الخجل على الورق وأن تبوح بالأمان الذي تشعر به بجوار هذا الحبيب!

أنا لم أحب رضوى عاشور فقط.. أنا أحب أن أتزوج كرضوى.. رضوى قوية كجبل، وهشة كحلوى القطن.

وأنا أحببت هشاشتها لأنها تجعلني أتفق جيدا مع هشاشتي.

أحببت كيف يمكن أن ترق لهجة مريد البرغوثي إذا تحدث عن مصر، إبان الثورة: \”حسيت أنه حقي وصلي، لأنه رجعنا نتباهى باللهجة المصرية\”.

كيف أصبحت رضوى فلسطينية، وأصبح مريد مصريا!

وكيف كان لحبهما أن يثمر عن \”تميم\” ليقص حبهما، وتخجل هي من حكايته ، تبتسم خجلا حين يسألها المذيع عن أشعار مريد في حبها، فتقول قد كتب، وتصمت في خجل.

\”أمي وأبويا التقوا والحر للحرة

شاعر من الضفة برغوثي واسمه مريد

قالولها ده أجنبي، ما يجوزش بالمرة

قالت لهم يا العبيد اللي ملوكها عبيد

من إمتى كانت رام الله من بلاد برة

يا ناس يا أهل البلد شارياه وشاريني

مين يعترض ع المحبة لما ربّي يريد\”

تميم البرغوثي.

تفّرقهما السياسة ، يباعدون بينها وبين رفيق دربها، فتصبر، يحاوطها المرض فتقاومه وتنتصر عليه، لكن من ذا الذي يقاوم المرض للأبد؟

اختطفها ذات المرض الذي حرم عبلة من رفيق دربها، ليحرم مريد من رفيقته.

ولتغيب الضحكة التي ترجاها أن تعود \”عودي يا ضحكتها عودي\”.

أنا:

كنت أتحدث مع صديقي عن أحد قصص الحب العالمية، فأخبرته ببساطة : ليس هذا هو الحب.. إن قصص الحب العالمية، لا تتحدث عن الحب! بل تتحدث عن الوقوع في الحب، لكن ماذا بعد أن تقع في الحب؟

لن يعرف أحد حتى يمارس حبه بنفسه وأن يصنع أسطورته الخاصة وأن ينتصر حتى على الموت.. ستجد الحب إذا بحثت في رسائل أمل لعبلة:

\”أحبك كثيرا، لا أعرف الحالة التي أحبك عليها ولا أريد أن أعرف، لكنني أحسّ بالحب لك في كل الحالات، حتى عندما ينشط عقلك ويتصاعد في أبخرة الأوهام والتحليل العصبي والتنقيب في أشياء لا وجود لها، أحبك مبتسمة وغاضبة، حاضرة وغائبة، راقصة المشية أو هامدة الجسد، حتى عندما تقولين لي لا أحبك فإنني أحبك؛ لأنني أعرف أن هذا معناه عكس ما تقصدين تماما يا حبيبتي الصغيرة\”

ستجد الحب في رثاء مريد لرضوى، إذ انتصر بحبه حتى على الحزن.

\”أذكر أني حين غادرَت رضوى، كُسرت الوعود بداخلي لصنع القهوة على شاطئ يافا، الحلم الصغير تبعثر\”

لماذا يمكنني تحقيق حلمي؟ ولم يتمكن مريد! لماذا تغادر رفيقته ولم يتمكن من التمشية معها على أرض وطنه؟

ما الذي يميزني لأتشبث بحلمي؟

لكن مريد ردّ على كل الفوضى بداخلي في رثائها فقال: \”رضوى عاشور تركتنا بعدها، لا لنبكي بل لننتصر، تركتكم بعدها لا لتبكوا بل لتنتصروا\” فتشبثت بحلمي إكراما لها، وله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top