\”ساعات الغلط مع اللي غلط، بيبقى منتهى الصح\”، مقولة مشهورة للفنان أحمد السقا، في فيلمه \”حرب أطاليا\”، عبر بها عن المشكلة التي واجهته مع مجموعة من رجال الأعمال بعد أن شوهوا سمعته، فقرر مواجهتهم بقوانينهم.
يدور في عقلي جدال حول طرق أخذ الحق من المغتصب، هل تجوز المعاملة بالمثل؟ هل أنا في حاجه لرد كرامتي وحقي من المغتصب؟ أم يجب التغاضي عنها ونسيانها مقابل إحلال السلام عليّ وعلى المغتصب وكل من حولنا؟
الدراما المصرية غنية بقضايا الثأر وإصرار الأطراف المتنازعة عليه، ففي مسلسل \”سلسال الدم\”، نجد \”نصرة\” التي تقوم بدورها الفنانة عبلة كامل، على مدار أجزائه الثلاثة، مطالبة من ابنتها بالثأر من عضو مجلس الشعب \”هارون\”، يقوم بدوره الفنان رياض الخولي، الذي قتل زوجها ونجلها، ردا على قتلها لنجله، عن طريق الخطأ، بعد محاولته الاعتداء على ابنتها.
لكن \”نصرة\” تصر على رفض الأخذ بالثأر حتى لا تخسر عزيزا آخر على قلبها، وفي المقابل نجد هارون يتمادى في تهديدها وأذاها، بينما تكتفي هي بالصمود والصمت، تنتظر عدالة السماء أو قرار كاتب المسلسل.
\”نصرة\” التي تقع تحت ضغوط المطالبة بالثأر، قد تجد نفسها متهمة من المحيطين بها أنفسهم، بأنها تغيرت للأسوأ، إن قررت الرد على بلطجة هارون ببلطجة مماثلة.
في التاسع من مارس عام 2013، تجمع أعضاء أولتراس أهلاوي أمام مقر النادي الأهلي بالجزيرة في انتظار سماع أول حكم قضائي في قضية \”مذبحة بور سعيد\”، انتظر الجميع الإنصاف والعدالة الناجزة ولكن فرحتهم لم تكتمل، لم يرض كثيرون منهم عن أحكام البراءة التي صدرت بحق بعض المتهمين في القضية، وبرغم إصرار الشباب على الانتقام بأيديهم، وقف \”كابو\” يخطب فيهم، ويطالبهم بعدم ارتكاب أي أعمال عنف.
كلام الكابو لم يلق قبولا من غالبية الشباب، فجميعهم لديهم ثأر عند قتلة رفاقهم، ولكن القائد كان يرى أن إراقة المزيد من دماء الأولتراس، خاصة في ظل وجود أطفال بينهم، جريمة أخرى لا نفع لها، فسكت عن \”الحق الذي يراه حقا\”.
مع حلول يوم 25 يناير من كل عام، تتعاظم رغبة الكثيرين في التظاهر، وملء الميادين سواء تكريما لذكرى الشهداء، أو التذكير بمباديء الثورة التائهة، أو حتى المطالبة بالقصاص من قتلة المتظاهرين، ولكن \”عجلة الإنتاج ومصلحة البلد\” تمنعهم وتحبط تمنياتهم.
أحمد مالك وشادي أبو زيد، اتفقنا أو اختلفنا مع ما فعله الاثنان، إلا أنهما حاولا التعامل بنفس مبدأ أحمد السقا \”الغلط مع اللي غلط\”، هم وأنا وغيرنا كثيرون، نعلم جيدا أزمة جيل الشباب مع الكثير من ممارسات الشرطة التي تتعارض مع نصوص واضحة في الدستور خاصة مع ما يتعلق بحرية التعبير والتصرف.
كفتاة دائما يصيبني مروري أمام أي فرد أمن بالارتباك، في هذه اللحظة أتوقع صورا عديدة من المضايقات، بدءا من النظرات، وصولا إلى الكلمات القاسية التي تتجاوز قدرتي على الاحتمال، وبعض الفتيات لا يستطعن التحمل، فيدخلن مع المتكلم في صراع من الشتائم والإهانات.
أما بالنسبة لمالك وشادي فهما يعلمان جيدا أنهما إذا حاولا التظاهر في الميدان برفع اللافتات أو الاعتراض على الأوضاع الحالية، أو المطالبة بالإفراج عمن في السجون بسبب أرائهم أو أفكارهم، فلن ترحمهم قوات الأمن، وسيتحول العسكري من \”غلبان\” إلى \”همام\”.
الإنسانية تحكم على ما فعله الشابان، بأنه خطأ لا يغتفر، فقد كان من الممكن إيصال الرسالة بطرق أخرى أقل مهانة، لكنني أظن أنه ليس من العدل مطالبتهما وغيرهم من الشباب بتحمل ضغط الحبس في منازلهم أو في السجون، غير قادرين على ممارسة أبسط حقوقهم: الحق في الكلام وفي التعبير، بل وفي الصراخ أيضا.