كانت مريم الصغيرة تمر بنوبة مرضية جديدة.. لم تكن الأولى ولا الأخيرة.. كنا نظن وقتها أنها الأصعب.
كانت درجة وعيها أقرب إلى الغيبوبة.. فشل الجميع أطباء وممرضات في الوصول الى وريد مناسب يتحمل ضخ الأدويه من خلاله إلى جسدها الصغير.
استعانوا بطبيب تخدير متخصص.. حملها والدها إلى غرفة مجهزة.. بدا عليها أنها لم تشعر بالفرق بين سريرها في غرفة المستشفى العادية وبين حضن أبيها وبين السرير القاسي في الغرفة المجهزة.
استرحت لفكرة أنها لن تشعر بالمحاولات الجديدة لإدخال الأبرة.. لن تبكي.. لن تتهمنا جميعا بالخيانة لأننا نتركها وحدها بين أيدي هؤلاء الأغراب.. لن تنادي باسم والدها: \”يا خولي أنت فين يا عم\”، ولن تهدده بالخصام.. اعتقدت أن وعي مريومة الغائب سيريح قلبي من الوجع.
الغريب.. أن صمتها واستسلامها لأيدي الطبيب كان أكثر إيلاما.
يحاول الطبيب ويكرر المحاولة.. ينقل الأبرة من الكف إلى الذراع، ثم إلى الساق، ثم إلى الكعب، وهي لا تنطق ولا تتحرك.
عندما ظهر الدم في الأنبوب معلنا عن الوصول إلى الوريد، قال الطبيب: \”الحمد لله\”، فهمست مريم: \”الحمد لله يا رب العالمين\”.
ضحك أبوها: \”أيوه كده يا مريومة.. اصحي معايا\”، وابتسمت امها والدموع تتساقط من عينيها.
أما الطبيب، فقد أوشكت المفاجأه التي أصابته أن تضيع الوريد الذي وصل إليه بعد عناء.
توقف تماما عن العمل ونظر إليها، وجدها قد عادت إلى غيبوبتها.. سأل الممرضة: \”إزاي كده؟\”
أجابت: \”هي كده على طول\”.
بعد هذا المشهد الذي مر عليه أكثر من سنة، وبعد أن أذهلتنا مريم بكثير من المعجزات الصغيرة، وبمعجزة شفائها الكبيرة، مازلت اتذكرها كلما قلت الحمد لله، وأضيف إليها – على غير عادتي- وبتلقائية: يا رب العالمين، واتذكرها عندما اسمع أحدا يقول: الحمد لله، وأكمل بعده – سرا- يا رب العالمين.
علمتني مريم أن اقول: يا رب العالمين.