ناهد صلاح تكتب: هات العطر يا ولد!

(1)

كانت تنقصني حساسية الصدر والجيوب الأنفية كي أجلس في البيت لا حول لي ولا قوة، منفية في غرفة نومي مرة أبكي ومرة أضحك، طيبة لا أشاكس أحدا ولا أتعب صديقا وفيا بمواعيد على المقهى كي ينزع عني همي.

حساسية من العطر أفقدتني حريتي وجعلتني أصارع الفرجة على الناس والشارع من وراء زجاج نافذتي مثل فاتن حمامة في فيلم \”أيامنا الحلوة\”، أو زجاج شاشة التليفزيون في وضعية القرفصاء على سريري، تلك الوضعية التي لا تقلل من يأسي من هذه الحالة التي أغوص فيها ولا فرصة للتحرر منها، تقودني الحالة وأنا منتبهة جدا لولع إلى الروائح، وكل الروائح تكاد تقتلني إلا دخان سجائره، يزيد ولعي بالعطر كلما خفت وكلما زاد سعالي الذي لا يدير لي ظهره ويرحل.

(2)

\”هات العطر يا ولد\”.. عبارة نور الدمرداش الشهيرة في فيلم \”عنترة بن شداد\” تقتحمني وأنا أتعجل لحظتي العطرية، أمير عربي يطلب العطر من خادمة في كل مشهد يظهر فيه، لكي يهديء أعصابه، وهو عطر غير الذي أراده أحمد زكي في فيلم \”أربعة في مهمة رسمية\” حين طلب من العطار تركيب خلطة عطرية لجذب الجنس الآخر من السياح، أو الذي تغنى به محمد منير \”لما النسيم بيعدي بين شعرك حبيبتى بسمعه بيقول آهات.. وعطورك الهادية اللى دايبة فيكي كل ما تلمسك بتقول آهات\”، أو العطر الذي تباهى آل باتشينو بمعرفته وتغزل به كأنه يذوب في عروقه أو يلتحف به في عالمه الرخامي البارد في فيلمه الشهير \”عطر امرأة\”، ومما لا شك فيه أنه عطر آخر غير الذي أراده القاتل في فيلم ورواية \”العطر\” للكاتب الألماني باتريك زوسكيند، والتي تتوغل في أعماق الذات البشرية وتحث القارئ على التمتع بروائح العطور المصنوعة بالدم والجريمة والهوس، جان باتيست جرونوي يولد وسط الروائح العطنة للســمك الزنخ والنفـايات المتراكمة وروائح البشر في باريس ولا يملك جسده ذرة منها، رجل بلا رائحة مهووس بصنع عطره الخاص من أجساد العذارى وينجرف بجنون وراء لذته التي تمنحه تألقه الروحي.

والعطر كما يقول نزار قباني، لغةٌ لها مفرداتُها، وحروفُها، وأبجديتُها، ككل اللغات .

والعطور أصناف وأمزجة. منها ما هو تمْتَمَةْ.. ومنها ما هو صلاة.. ومنها ما هو غزْوَةٌ بربريَّة.

والرجل أيضا كما يؤكد قباني ذاته في نفس القصيدة، يلعب لعبته في تقييم العطر ..

بمعنى أن أنف الرجل مرتبطٌ بثقافته، وتجربته، ومستواه الحضاري. هناك رجالٌ يفضِّلونَ العطور التي تهمس.. منهم من يفضَّلونَ العطور التي تصرخ.. ومنهم من يفضِّلون العطورَ التي تغتال.. ثم أن نوعية علاقتنا بالمرأة تلعب دورها في تحديد نوع

العطر الذي يُقنعنا.

(3)

– الرجل يعرف من عطره.. والحب كالعطر لا يختبئ.. الاتنين فضيحة.. الحب أحلى فضيحة بجلاجل.

– من لا يمتلك العطر لا يمتلك الحب

– عشان كده الواحد يعمل زي بطل رواية وفيلم \”العطر\” يصنع عطره الشخصي من جسد يحبه.

– يمكن أن تعمل أجمل عطر .. لكن الضحايا هيكونوا كتير.

– الموضوع يستاهل.. لا أخفيك عطرا أو سرا  نفسي أعمل كده.

– إحنا إيه في النهاية إلا ذرات عطر نستنشقها وننثرها على المحبين.

– أول شئ يتبادر إلى ذهننا عمن نحبهم عطرهم، في البدء كان العطر قانون الجاذبية الأول.

– ومن الحب ما قتل.. أول قصة حب على الأرض كان نتاجها القتل.. الحب قرين القتل، حتى لو كان الموت عشقا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top