تريد أن تكون مسيحا؟
تخرج إلى الشارع وتحلم أن ينطق باسمك الصدى ويصغى إلى قلبك الحجر، فلا يصادفك إلا أعين المارة تُحملق فيك كأنك من كوكب آخر، كائنا فضائيا يمشي متأرجحا بفعل الجاذبية الأرضية، وتتساءل: من دربهم على هواية التحديق؟ تحاول ألا تنكسر، ألا يسقط قلبك العمران وتتقدم وحدك فعلا كالمسيح وتضبط نفسك على إيقاعه، تُبشر بالقيامة والأمل، تقف على محطة الأتوبيس ويدوس الكل على قدميك وتبقى محلقا في مجالك الحيوي، تقيس المسافة بين الانحدار البشري وعمق الهوية قبل أن ينقضوا على جسدك الضعيف بحوافر ذئب جائع، يوجعك نبضك وتتعبك مفاصلك، فتبتسم وتدعو الله أن يهديهم ثم تذهب إلى عملك سنوات طويلة، وحين تقرر أن تلتقط أنفاسك قليلاً؛ لا يتذكرك أحد.
تريد أن تصير \”تقيل\”؟
تحتشد وترتدي ملابسك الرسمية، ترفع رأسك وتتشنج أطرافك وتتبدل ملامحك في لحظة، وبمجرد أن ترى عصفورا، يتهدم بنيانك المصنوع ويرف قلبك ويجن في رفة جناح العصفور، ولا تستطيع أن تحافظ على مسلكك \”التقيل\” وتقع في الخيّة يا حلو ويجرفك حنان عبيط وتنجذب صوْب العصفور الحائر الذي يحط على كتفك ويحوله إلى تواليت ثم يطير.
تريد أن تنفّضْ للشللية؟
تنفر من المغناطيس وتبتعد عن مجاله، تكافح من أجل المحافظة على تفردك كأنك نجم لن يخرج عن مداره، تلتزم بطقوسك في فراغ الحياة الفسيح وتؤمن بأن الدنيا واسعة وكل واحد له مساحته، فتجد وجوه تلونت مثل البلياتشو تحاول أن تُفلتك وتزحزحك من مكانك أو تسحب عليك ستارة كأنك ولا مرة وُجدت أو كنت، تخرج إلى الطرق تجدهم على النواصي، تقرر أن تستريح يباغتونك على المقاهي، تجلس في المنزل وتستمريء القيلولة، يسبحون أمامك على شاشة تليفزيونك ويغزون فيس بوك، شلة تسحب وراءها شلة وتنفرط على بساطهم جميعاً أيامك، وحين تقول: هذا غش، تتلقى صفعة على قفاك، أما لما تُعلن بصوت خفيض أنك لا تُبالي، لا يلتفتون إليك ويقولون أنك لا أحد.
تريد ألا تبكي؟
تضحك بأقصى ما استطعت وتسمع أغاني حلوة تجلب السعادة وتُنزل عن كتفك الهموم المزمنة، فتلسعك خفة المنكسرين وملح جراحك في زمنك المعطوب، وتكتشف أن مشوار الولع لا يبدأ بخطوة لأن آخره مسدود، وأنك أصغر من حبة سمسم وأن الذبابة لها أهمية أكثر منك وأنت تقف عند مفترق طرق دون بوصلة ترشدك، تسدد فاتورة التيه الذي فرضه عليك زمانك، كهذه السيدة العجوز التي صادفتها في تسكعك الصباحي بطرقات المدينة تقلب في صناديق القمامة تفتش عن لقمة، فتنسى حكمة سائق التاكسي اليومية التي ترسم لك بؤس بلدك وتتذكر سيارة ميكروباص خربة زيّنها صاحبها بشعار: ما تبصليش بعين راضية/ بص للي اندفع فيّ، وأنه لا سبيل للعيش وفق قواعد أدميتك في وطن تسرح فيه العنصرية والطائفية والإرهاب والمرتزقة، وعندما يأتي المساء تشاهد برامج التليفزيون وتقوم معيّط.
تريد أن تنام؟
تدخل السرير قبل الموعد المحدد بقليل، تنفض عن عقلك وحواسك كل فوضى نهارك، تقرأ بعض آيات الذكر الحكيم وعندما تُغمض عينيك، يدق سقف غرفتك بهرولة أطفال جيرانك الأعلى، ويهتز فضاء سكونك بصراخ أمهن ويُصيبك عجزك بالصمت وتندهش لأنك استسلمت ولم تعد تقوى على الشكوى، فتمنح نفسك فريسة لمخال ذاكرتك المثقوبة بحكايات حزينة تُسلمك إلى دائرة الأرق، فلا تنام.