(1)
– إنتِ بتعملي أيه؟
– بكتب
– ما تيجي نخرج النهاردة؟
– لا. أنا بكتب
– هو إنتِ كل يوم هتطلعي لنا كتاب!
– مفيش حاجة تاني أعملها غير إني أكتب
– أوووف. إنتِ بتكتبي كتير أوي
– ياااا عالم. معلش. أصل أنا معرفش غير إني أكتب
(2)
في معادلة أن تضع النقاط فوق الحروف لتصنع إيقاعك الخاص، فإن ذلك يستلزم عقلاً هادئاً ووقتاً إضافياً حتى تستطيع أن ترتب أفكارك وإلا وقعت فريسة للهوس والاكتئاب وربما يتطور الأمر إلى الجنون، وأنا لا أكتب ذلك كمقدمة للتوغل في مناطق وعرة في النفس البشرية، أو بداية لمكاشفة جريئة أو رحلة لتجاوز العتمة والظلمة إلى أفق النور، وإنما محاولة مني أن أتحرك ولو خطوة واحدة وتجاوز البلاطة التي وقفت عليها ساعة دون زحزحة لمجرد أنني أفكر في كتابة ولو سطر واحد في أي موضوع وأناضل نضالاً مدهشاً كي أحرك قدمي هبوطاً وصعوداً في الفراغ بتثاقل المتعبين أو الهاربين من الواجب اليومي، بالضبط كما كنت أفعل في صغري حين أهرب من المذاكرة إلى مشاهدة التليفزيون أو الشرود لساعات طويلة في اللا شيء ثم أتبجح وأعلن غضبي من قسوة الوقت الذي يداهمني وأنا لازلت في مكاني.
لا شيء يحرك هذا الثبات وأنت تجلس أمام شاشة الكمبيوتر تتفقد رسائلي الاليكترونية وتتسرب حياتك على الشبكة العنكبوتية موزعة على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يعجز ربما عن تفسيره حتى مارشال ماكلوهان ذاته ونظرياته في وسائل الاتصال الجماهيري التي أثارت جدلاً كبيرًا لأنه يرى أن أجهزة الاتصال الإليكترونية تُسيطر على حياة الشعوب وتؤثر على أفكارها، وهو ما أراد التعبير حين أشهر مفهوم القرية الكونية التي وقعنا جميعاً في فخاخها وتعلقنا بأرجل العنكبوت الاليكتروني، كانت أحلام ماكلوهان ونظرياته ثورية في وقتها تكسر المسافات الجغرافية وهي تتمحور حول التواصل الفظيع الذي يصنعه الإعلام وخصوصاً التليفزيون، حتى تحوّل العالم إلى عقل ضخم موصول بالأسلاك المتشابكة وأزار لا يكبح جماحها شيء، وتحولنا نحن إلى أجساد رخامية تحملق عيونها في الشاشات أو كمن دخل متاهة أو احتجز في لعبة خطيرة كما في جومانجي، الفيلم الأمريكي الشهير (من إنتاج العام 1995، من بطولة روبين ويليامز وكريستين دانست وبوني هنت وإخراج جو جونستون، عن القصة القصيرة التي تحمل ذات الاسم للمؤلف كريس فان آلزبرج)، وفيها نكون منسيون أو لامؤاخذة، على قول سائق تاكسي، فهلوية نعرف نهرب من فم الوحش.
لولا الصدفة التي قادتني إلى رسومات لأطفال صغار أرسلتها لي صديقة تعمل مدرسة وتساعد تلاميذها على تنمية مواهبهم، ما كنت صحوت من هذياني الذي لا يهديني إلى حكاية أو مفردات موضوع أتبعه ويسلمني لورقة بيضاء خاوية على شاشة حاسوبي الاليكتروني، تلتقطني لوحة وراء أخرى ولع مؤطّر بالبراءة، ولع بألوان قزح لا أشبع من تأمله، الخطوط والحركة تلائم مزاجي في هذه اللحظة التي أردت أن أشعر بطزاجة ما في الحياة، حتى الأبيض يصنع جمالاً خاصاً يلتقط التفاصيل الصغيرة ويبرزها حتى وإن ظهرت بدائية أو اعتباطية، تلك الرسومات الصغيرة صنعت لها رافداً خاصاً في وجداني، الألوان متشابكة كالخطوط الطولية التي كانت تنفرد بطول وعرض شاشة التليفزيون في زمن طفولتنا، حيث لم يكن هناك غير قنوات ثلاث تحملنا على أجنحة الأحلام الصغيرة للتحرر من مواقعنا إلى عالم أكثر رحابة ولكنه مقيد بسلاسل برامج ومسلسلات وأفلام مفروضة علينا في العصر الديناصوري \”يا ترى التليفزيون في أيه نشوفه؟.. مش نحب نشوف أيه على التليفزيون\”، هذا في حال إن لم تنقطع الكهرباء وتظلم الشاشة؛ فنغضب قليلاً، لكن إن فكرنا ملياً كنا نجد هذا أفضل الأحوال التي تجعلنا نتجلى في التواصل وطرح الأحلام الصاخبة من دون الاستلاب لوجوه تقتحمنا خلف شاشة زجاجية، وفي كل الأحوال وبعد كل هذه السنين وكل هذه الثورة التكنولوجية والحدود المنسوفة في القرية الكونية، فإنه بصراحة وبكل صراحة \”كله عند العرب فرجة\” لا أكثر ولا أقل.
(3)
يقول نيتشه: لك طريقك، ولي طريقي، أما الطريق الصحيح؛ الطريق الوحيد، فهو غير موجود.