ناهد صلاح تكتب: كنت فين يا خشب لما كنا نجارين؟!

 

(1)

امرأة تسير في الشارع، كأنها تنهي مغامرة عسيرة، فجأة ينسحب التعب من ملامحها الحادة إلى مفاصلها؛ فتنزلق قدمها في حفرة صغيرة وتقع بما كانت تحمله من أكياس تنفرط على الأرض؛ فيختلط السكر بمسحوق الغسيل، بينما يهرع إليها الصبي الذي يبيع أكياس المناديل في الإشارة، ويكاد جسده النحيل أن يذوب تحت أشعة الشمس التي تأبى أن تتمايل وتبعد عنه؛ يحاول الصبي أن يساعد المرأة  لتقف من \”وقعتها\” وتلملم أكياسها المبعثرة، وإن لم يستطع صوت نحيبها أن يغطي على صخب الإعلان الذي يتسلل من الشاشة التليفزيونية الكبيرة في المقهى المجاور: اشتري شاليهك عندنا وادفع 100000 مقدم.

جنون على الشاشة ينهمر ولا يتوقف؛ يجعل من شهر رمضان موسما للإعلانات بامتياز، كل شيء ينتصر للوهم بمزيد من الأفكار التي تختزل العالم في سلعة، بل ربما أصبح الإعلان بديلاً عن هذا الواقع المحتدم والمتصارع والمتورط في بؤسه وفقره، الكل يعلن غضبه من طول فترة الإعلانات التي تزعجهم أثناء الفرجة على مسلسلات -هي الأخرى في أغلبها- تحولت إلى مشهدية عظيمة تعبر عن الفصام بين الواقع والشاشة.

الكل يتذمر، وكأن القلب لم يعد في وسعه أن يحتمل، وإن فعل، فالرأس لا يحتمل دق شاكوش الإعلان المتكرر على الجمجمة دون أن يخطيء ولو مرة واحدة، هكذا يبوح الكل بغضبه، ولكن هذا الكل هو ذاته الذي يتماهى مع الإعلان ويفكر ألف مرة كيف سيشتري السلعة، بالضبط كما سبق له أن استعار من المسلسلات حيوات مختلفة تسحبه أكثر إلى منطقة الأوهام التي تمنحه إشارة أنه مازال على قيد الحياة، بصرف النظر عن أحواله أو خراب هذه الحياة، بل إن الإعلان صار أيضاً جزءا من الدراما والحدث، وله كُتابه الذين يصيغونه وفق حدوتة أو أغنية شهيرة، ويستخدم صانعوه نجوم التمثيل والطرب لتكمل دورة الفراغ إيقاعها.

بعض هؤلاء النجوم يراه الجمهور في أكثر من مسلسل، ويطل عليهم مرة أخرى في الإعلانات (بيومي فؤاد مثالاً)؛ وبعضهم مثل حسن الرداد لم يحجز لنفسه مكاناً في مسلسلات رمضان هذا العام، لكنه استطاع اللحاق بالعربة الأخيرة، وظهر بعلبة جبنة عبور لاند، وهنا تبدو الشاشة كأنها تصاهر هؤلاء الذين التفوا حولها يحملقون فيها، وكأنهم ينتظرون من يدحرجهم إلى داخلها، وصوت بداخلهم يردد المثل الشعبي \”كنت فين يا خشب لما كنا نجارين\”، لكن كله كوم، وما فعلته الإعلانات في هذا الموسم كوم آخر؛ فهي لم تراعي الذوق والمشاعر الإنسانية، والتفاوت الطبقيـ وكل همها أن تمد يدها في جيوب الناس دون رحمة أو اعتبار للمساكين الذين يعيشون في فيللا بجنينة واحدة، ولا يستطيعون أن يشتروا الفيللا أم 3 أرواح؛ قصدي 3 جناين، ولا عزاء للفقراء المسحولين في الشوارع والحارات وعشش الصفيح، فالفقراء لا يدخلون جنة الإعلانات، إلا من باب الشحاتة وطلب التبرعات.

(2)

مسلسل \”راس الغول\”، تأليف وائل حمدى وشريف بدر الدين، وإخراج أحمد سمير فرج وبطولة محمود عبد العزيز، فاروق الفيشاوى، ميرفت أمين، لقاء الخميسي، رامى وحيد، محمد شاهين، بيومى فؤاد ومصطفى أبو سريع، من المسلسلات التي استطاعت أن تتواصل مع الواقع وتقدم الجديد في قصة قديمة -هي قصة الفساد وتفاصيله- من خلال بناء درامي متقن، وسكريبت مكتوب برهافة تحافظ على انضباط الحكاية التي تتسلل الكوميديا في جنباتها، بالرغم من موضوعها الجدي، إضافة إلى صورة متكاملة يصنعها الإخراج لتوائم إيقاع المطاردة، والتي هي محور المسلسل الذي يقدم فصلاً من ذاكرة الوجع في مجتمع تحركه خيوط المصالح، مرتكزاً في سرده منذ اللحظات الأولى من المسار الدراماتيكي الذي وجد رجل نفسه فيه عارياً من كل أمن وحماية، بل مطارداً في مجتمعه الغارق في بؤس العيش والفساد اليومي، ويتواءم أداء الممثلين مع هذه الحالة، كأنهم يلامسون قلب الموضوع ويصعدون به؛ وهنا يطالعنا محمود عبد العزيز بطريقة تجعل متابعيه يأنسون لحضوره والتفاعل المرهف بينه وبين النص، من دون أن يسقط في فخّ التنظير والخطابة، ما يجعلنا أيضاً نردد: لا شكّ أن للكبار أسلوباً في ممارسة المهنة.

(3)

يسرا، في مسلسل \”فوق مستوى الشبهات\” تأليف وإخراج هاني خليفة، كالصاعقة؛ فاجئتنا بإطلالة مختلفة، أكاد أقول إنها غريبة ومثيرة، حتى أكاد أرى ملامح وجهها.. نظرتها وعينيها وفمها حين يتحدث، كل شيء فيها تغير وهي تجسد \”رحمة\”، هذه الشخصية الملتبسة بين الخير والشر، الطيبة والإجرام، والتي التقطت يسرا نبضها الجوهري، وانعكست صورتها عليها كامرأة قاسية، وإن بدت صورتها غير ذلك، فظهرت قدرتهاعلى تليين الشخصية وتحريرها من الكليشيهات، وكسرت هذه الكليشيهات عند الحد الفاصل بين الوعي والجهل، فأتاحت فرصة إضافية للممثلة كي تؤكّد أن براعتها في التمثيل تتدرج مع نضجها.

(4)

محمد منير، كل ده كان ليه؟ ضيّعت \”المغني\” وناسه!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top