(1)
كم أنت عظيمة يا ست! تدفعين عربة التسوق أمامك، عليها هرم مشترواتك الذي تنافسين به سيدات أخريات، تخبطن في بعضكن داخل الـ\”هايبر ماركت\”، لفات من أكياس السكر والأرز والمكرونة وزجاجات الزيت وعلب السمن والزبدة وقمر الدين والقراصيا والزبيب و.. الكثير من العروض الرمضانية مخفضة الأسعار، تدورين في الأروقة وعيناك على الأرفف تختار هذا من أجل البنت وذاك من أجل الولد، أما هذا وذاك سويا فهما من أجل الزوج العظيم الذي يتتبعك بخطوة كظلك أو كعماد حمدي في فيلم \”أم العروسة\”، وهو يذكرك بأن \”تلمي إيدك شوية\” وأنت تذكرينه بالعزومات و\”مجايبها\” وبطبق الحلويات والتسالي الذي يجب أن يلتهمونه وأنتم مشغولون بمتابعة مسلسلات رمضان، فيتحول الزوج بقدرة قادر إلى الملاكم محمد علي كلاي ويضرب \”العيشة واللي عايشينها\” بالضربة القاضية ويصبح \”كرشه\” بوصلته إلى ما خفي وظهر من أصناف الطعام، وعندما تمرين على ركن الفوانيس وتتوقفين لتخبري العظيم زوجك وأنت تدللينه وتنادينه باسم ابنكما الكبير:\”أنا عايزة فانوس ينور في البلكونة يا أبو عيلاء\”، في هذه اللحظة يتمنى أبو علاء أن يهشم رأسك ويعايرك بالفقر الذي يغطي ساسك من راسك ويقول لك: \”الله يرحم أبوك كان بيكمل عشاه نوم\”، أو يفعل كما عبدالفتاح القصري ويرمي عليك تعويذة: يا أرض اخسفي ما عليكِ، لكنه يكظم غيظه ويكتفي بقوله: كفاية نورك علي يا فانوس حياتي.
(2)
البنت وردة بيضا خلوا بالكم ياسادة.. أغاني والموسيقى الصاخبة لفيلم \”شيء من الخوف\” تصلح خلفية لهذا المشهد الذي يضم فتاة بريئة تتأبط ذراع شاب يمشي إلى حيث يأخذه الدرب، وهو أصلا لا يعرف نهاية هذا الدرب (الواد كما أي عيل في عيال ناس البلد.. جسمه برضك قليل زي عيال البلد)، لا تكف البنت عن الكلام والحكي، وهي ليست جريئة جداً بالمناسبة، لكنها تحاول أن ترقق قلب الولد وتأخذ بيده ليكون حبيبا آدميا، كما شهدت في الأفلام الرومانسية والحواديت المنقرضة، والولد يستمع ويعيش دور \”الواد التقيل\” حسين فهمي مع أنه لا يشبهه على الإطلاق، لكن \”الله يقطعه الخيال ماخلاش حاجة\”، ويقول عن حبيبته \”هبلة، بس طيبة\”، وفجأة يحدث البعد التراجيدي في علاقتهما ويعلو صدره ويهبط حين تتوقف فتاته فجأة أمام \”فرشة الفوانيس\”، وتقول:\” أنا عايزة فانوس رمضان\”، ويبدأ يحسب حساباته، فيما يتجول بجدية بين الفوانيس وعليه أن يقرر حالا يشتري لـ\”الهبلة\” فانوس والأسعار أصبحت نار، أم أن يشحن باقة النت على تليفونه رصيدا حتى يستطيع أن يتابع \”غندورات\” فيس بوك، ولما يحسم الأمر يلتفت إليها ويربت على كتفيها وعلى طريقة زكي رستم الحنونة يقول: لن نشتري فانوسا هذا العام، ستكونين أنت فانوسي\”.. يا عيني ويا سيدي على إنصافك يا ابن الدهاشنة!
(3)
قبل رمضان بأيام قليلة.
– شفت فيلم أمريكي النهاردة كوميدي ولطيف.
– رحتِ السينما مع مين؟
– وحدي!!
– مجنونة.
……….
– صحيت بدري وخرجت فطرت في مكان لطيف في الكوربة.
– هايل.. مع مين؟
– وحدي!!
– مجنونة
……….
– اكتشفت مكان جنب البيت لطيف وفيه حمام سباحة.
– أيوة كدة. بس مع مين؟
– وحدي!!
– مجنونة.
ولأن المجنونة أنا كانت في البدء تخجل من \”وحدي\”، وترى أنها كلمة تدل على الأفول والغروب، وربما الخيبة، خصوصا حينما تأتي هذه الـ \”وحدي\”، بعد شريك لم يعد حاضرا، فكان من الصعب أن أدخل عالم الوحدة الغامض، وأتصور أن هناك ما يثير أو يفتح ألف شباك على حياة أخرى لي حق أصيل فيها.
ولأن المجنونة أنا، لا تستسلم عند حدود زمان أو مكان، قمت بقراءة سورة الرحمن وتخليت عن الشك في حتمية حياتي، وجمعت كل خزائن العزلة بداخلي منذ طفولتي حين كنت أخجل من التواصل مع الآخرين حتى هذه اللحظة الحاسمة التي أدركت فيها أن الآخرين ربما يساعدونا على إيذاء أنفسنا سواء بالصدفة أو قلة الحيلة أو حسب المصلحة التي تتحقق لهم، لذا انتهت أسئلتي الكثيرة والقاسية بإجابتي الحذرة عن كيفية صنع لحظة السكينة الصافية بعيدا عن تأويلات الآخرين التي لا تجر سوى الأوجاع والمرارة والعرقلة، لأن النفس أمارة بالسوء، في هذه اللحظة بالذات أنام عميقا بعد أن اشتريت فانوسي \”وحدي\”، وأفلت نفسي من صراع الضياع والهداية الذي ينتحب الآخرون تحت رايته. وكل سنة واحنا كلنا طيبين ورمضان كريم يا فل.