ناهد صلاح تكتب: اللحظة الملتبسة

(1)

– هي اللام الشمسية ضايقتهم في أيه بس؟ على طول كدة بينكروها، أيه الجحود ده يا عالم يا هو؟!

– يا أستاذة ريحي بالك وسيبيك من القمرية والشمسية وخليكِ في الأمور الأرضية.

– أيه؟!

–  العيشة الصعبة والأسعار اللي بتزيد، الدولار والجنيه، الضرايب بكافة أنواعها، الشوارع الزحمة، تجريف الأراضي، دسائس ومؤمرات، البرلمان الأوروبي، سوريا وروسيا، تركيا والسعودية، الديمقراطية، الملوخية والمهلبية.

–  ممممممممممم

– كل حاجة حوالينا بقت غريبة بس قدرنا هنعمل أيه؟! أقول لك، احنا ممكن نتحرر من كل ده ونفكر في العالم الآخر، أنا متأكدة إنه أفضل بكتير. عارفة، إحنا الستات هيكون لنا كمان حور العين وهنختارهم بمزاجنا ونهيص على راحتنا وخمر وعسل وأيييه.

– بجد! روحوا كلكم، رجالة وستات، الـ \”عمى\” في عيونكم والـ \”طرش\” في ودانكم، بالقمرية والشمسية.

(2)

–  إنتِ بتحبي جمال عبد الناصر ليه؟ تعالي ناقشيني!

– حِلي عني، راسي بتوجعني.

– شوفي أفلام الأبيض والاسود، مصر كانت شوارعها نضيفة وفاضية إزاي، شوفي شياكة الناس قبل ثورة العسكر في 1952

– ……!!

– والله مبارك وحشني، الرجل ده بحبه وبادعي له ربنا يشفيه، كفاية إنه ما أذاش البلد وما هربش منها، بيفكرني بالملك فاروق اللي خرج من مصر بهدوء ومن غير ولا نقطة دم.

– يا ااا لهوي.

(3)

– إصحي. إنتِ نايمة؟

– آه. الساعة 4 الفجر على فكرة وده ميعاد نوم الناس الطبيعيين.

– جوزي جاب لي خاتم ألماظ

– يا اادي المصيبة!! إزاي يعمل كدة؟!

– شفتِ! ومن غير أي مناسبة، لا عيد ميلاد ولا عيد جواز.

– وده معناه أيه بقى؟

– إنتِ بتسألي؟! ودي محتاجة مفهومية، أكيد بيخونني وضميره بيوجعه.

– جاب لك خاتم ألماظ وعنده كمان ضمير في الزمن ده، روحي يا شيخة بوسي إيدك وش وضهر واشكري ربنا، وحطي في بطنك بطيخة صيفي ده إنتِ في نعمة، وادخلي نامي وسيبيني أنااام.

– كدة! طيب، من بكرة همشي وراه وأراقبه.

و.. تيت تيت تيت ( صوت إنقطاع خط التليفون).

(4)

أحدهم أتبينه من بعيد لا يستطيع الفكاك من قدره، يسير سدى في الطريق؛ بلا هدف واضح ولا أمنية بختام سعيد، خطواته المتثاقلة تقطع الميدان إلى الشارع الصغير المقابل، كما لو يتعثر في هواجسه، رأسه يكاد يقع من فوق جذعه، وجذعه منحني كالمكسور، وذراعاه تترنحان بجواره كأنهما تتشاوران في السقوط، ربما يتجاوز هذا الشخص الغريب ويصل إلى الناحية الأخرى كامل الأعضاء، لكن الهم يصاحبه في كل متر، يلاحقه كشبح غامض وواضح في نفس اللحظة، اللحظة الملتبسة والجاهزة لكل أنواع التأويل. يجر الغريب قدميه كأنه يعيش \”الوكسة\” الكبرى، أو يخشى عبء ذاكرته التي لا يصيبها النسيان، والنسيان بالنسبة لأمثاله نعمة، يطلق زفرة من يسمعها يحسب أنها تثثقب بلاط الرصيف الذي يعبره، وتقسم الهواء إلى حياة مشقوقة نصفين، لكنها طريقته في جس نبض الكون والتشبث بنفسه الشريدة، فتتشنج عضلاته وترتجف ركبتاه ويجف حلقه وهو يحاول أن يستعيد نشاط روحه في أجواء لم يعد يفيدها العناد.

(5)

للخوف أسماء عديدة

من بينها ألا نخاف

وأن نرى الصياد

في ريش الطريدة! (محمود درويش)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top