(1)
قال لها: إحكِ حكايتك!
قالت: اتولدت، دخلت المدرسة، تخرجت من الجامعة، اشتغلت.
قال: ياه. إنتِ عادية أوي!!
ابتسمت ولم تخبره أنها قُتلت ثلاث مرات قبل أن تولد هذه المرة.
(2)
البنت التي افترشت الأرض في ميدان رمسيس بجوار سلم المترو، وبكت كثيرا، هجرها حبيبها ليتزوج عجوزا أمريكية تمنحه الجنسية، والبنت الحنونة التي أسرعت تطبطب عليها، تبيع المناديل في الإشارات جاءت تسألها إذا كانت تريد \”فلوس\” حتى ترجع بيتها.
(3)
أن ترتدي البادي المحزّق أو القميص المفتوح حتى سُرتك والبنطلون الجينز المقطع والكاوتش الصيني الـ \”هاي كوبي\” لماركة عالمية، وتطوّل شعرك وتفلفله أو تعمله ديل حصان وتدهنه بالجيل، وتعلّق في رقبتك السلسلة والأساور والحظاظات الجلدية في معصمك، وتضع النظارة الشمسية التي أهدتك إياها البنت التي خدعتها بكلمتين حلوين عن رومانسية الطلوع للقمر بـ\”التوك توك\”، و\”تتلّطع\” على مقاهي وسط البلد وأنت تحمل تليفونك الـ\”سامسونج\” الجديد ومشغول بالـ ـ\”فيس بوك\” وتتحدث برطانة العظماء في السياسة، فهذا لا يعني أنك صرت آدميا متكاملا، لأنك مهما فعلت لن يقولوا عنك سوى سرسجي.
(4)
تنظر إلى دخان سيجارتها وتموجاته، فتبتلع عمرها المنفرط وتغلق جفنيها على أيامها المتأرجحة بين الأمل واليأس وتلعب لعبتها الأثيرة في الحديث مغمضة العين والتريث المتداعي قبل أن تفتحهما ببطء لتتأمل تأثيرها في وجوه الناس حين تخبرهم الأخبار الحلوة. تقلب فنجان القهوة الصغير على الطبق المزركش غالبا برسومات متباينة، لديها تصورات عن الرسم والصور تجعلها حرة في خيالها وتصنع ما تشاء، تُعدِل من وضعية الفنجان وتُزيحه قليلا إلى طرف الطبق حتى يجف سيلان مجرى القهوة التي تأخذ آخر قطرة منها على إصبعها وتلعقها بطرف لسانها وتكاد تتمدد في جلستها لتأتيها حالة الخدر والتلذذ، وتنصاع الحميمية ليديها وتتحرر من وطأة الواقع كالمخطوفة على صهوة جواد أبيض، لو تستطيع أن تُفتت بؤس العالم وكآبته وتمحو الأحزان كي ترى صفو العين وتجليها وتسمع جلجلة الضحكة الخارجة من القلب مصحوبة بـ \”خير اللهم اجعله خير\”، تُمسك الفنجان وتُشير بسبابتها إلى خطوطه وعلى قدر خيالها يحنو كلامها ويصنع الفرح:
– فنجانك مليان بالقلوب، هنيالك الحب عليك هو المكتوب.
– اسم محمد ورسمه بارز وواصل للسما.. ما شاء الله طريقك لربنا عامر.
– عندك ورقة حلوة في الشغل وطالعة بك زي السجادة السحرية في طريق صعود قول إن شاالله.
– وِش بنت حلوة بيطل عليك، معناها دنيا جديدة وحلوة جاية لك.. يا سعدك يا هناك.
وهنا تفرك جفونها وتنصرف كطيف في بزوغ الفجر.
(5)
هل تعرفون الكلمة التي لن تجدونها في الكلمات المتقاطعة، إنها كلمة \”إذهب\”؛ لكن بصراحة كلمة \”إنطلق\” أفضل منها بكثير، فيها حيوية يشهق بها الهواء، فتنفجر تحت الجلد وتذهب عميقاً في الدم وتعطي عمرك فرصة أخرى لحياة جديدة وليس لترميم الحكاية، لذا عندما يكون لديك شريكاً بدأ يختل توازنه، افتح له بنفسك باب الخروج، ينبغي أن تتركه يذهب، أما أنت فانطلق يا عزيزي/ يا عزيزتي ولا يتشبث أحد بفكرة ثبات الثنائيات، فالدنيا كما اختبرنا من تجاربها هي دوارة ولا ثبات فيها ولا\”تلكيك\” بالعشرة والاعتياد ولحظات الحزن الصعبة حين ترى الشخص الذي كنت مرتبطا به يمشي ويفقد جسديكما هذا الامتداد الذي كان بينكما، فهذا اعوجاج في مسار الانطلاق يُعطل عملية التغيير، فخففوا الذكرى وداووا الجراح بالطيران، وبالنسبة لي كامرأة تبحث طول الوقت عن كلماتها فقد أدركت أن \”إنطلق\” هي مفتاحي للتحرر من جاذبية الأرض، كما آمنت أن الحطام هو هدية.. الحطام هو بداية الطريق للتغيير.
وكأنى عصفور مدلع .. آه متلوع وفى قلبه حكايات بتولع.