نانيس القاضي تكتب: شات.. شير.. شيت

في ليله الخميس، كنت اجلس أنا وأسرتي في حديقه المنزل نتابع فيلم السهرة، وكان الطقس باردا قليلا والهدوء يملأ أرجاء المكان.. كنت أنا اقرأ بعض التويتات على تويتر ويجلس بجانبي من يقرأ الأخبار على فيسبوك، وابنتي على الأريكة في عالم آخر تتابع جروب المدرسة على الواتساب، و كلبي ممدد على الأرض بجانب صغيرتي ينظر معها في الآي باد وهي تلعب الكاندي كراش.

سرحت قليلا، وتساءلت متى احتلت التكنولوجيا السوداء منزلي بهذه الطريقة، وتذكرت ليالي زمان وحكاوي جدتي وسفراتنا وصوت أمي دائما في أذني تحدثني في كل شئ و لعبي مع أبي وأخوتي.

سرحت أكثر وذهبت بخيالي عبر آله الزمن لعام ٢٠٤٥ وابنتي تجلس مع ابنها وتقول: \”يااااه يا سوسو كانت أحلى أيام وأحلى شات وشير وأجمل انستجرامات.. كان كل واحد باصص في موبيله وفي حاله.. كنا نقعد بالأسبوع ماننطقش بكلمة واحدة.. بنكتب بس، ومحدش كان بيكلم حد ولا بيبص في خلقه حد.. هيييييح أيااااام\”.

عُدت سريعا وكأني احاول أن افيق من كابوس مزعج لأجد نفسي اجلس على نفس الكرسي، لكني اشعر ببرودة شديدة، ودوار خفيف، وكل واحد منا يجلس في نفس مكانه بجانب الآخر، لكن لكل منا عالما خاصا به وحده.

ظللت طوال فتره عطله نهايه الأسبوع افكر في ليله الخميس، وكيف تغير كل شئ في السنين القليلة الأخيرة، فاصبح رمضان شير فانوس على الفيسبوك، والعيد الكبير خروف على الواتساب والعزاء والتهاني على الوول وعيد الميلاد تاج على الإنستجرام.

أنا اخشى أن يأتي اليوم الذي اشتهي فيه طاجن مسقعه من يد أمي، فترسل لي الطاجن شير على الفيسبوك!

ذهب أولادي للمدرسه – كالعادة – في أول أيام الأسبوع الدراسي، وحين عادوا اخبرتهم بما يدور بخاطري، وقررنا ان نصنع عُلبه نضع بها هواتفنا، وكل ما يشتت أفكارنا منذ لحظه وصولهم من المدرسه حتى لحظة الذهاب إلى الفراش.

تغير أسلوب حياتنا بعدها كثيرا.. أصبحنا أقرب إلى بعضنا البعض، وأصبحت اعرف الكثير عنهم وعن أفكارهم أكثر مما كنت اظن عن نفسي أني اعرفه في السابق.

اصبح لدينا وقت أطول للعب وللحديث و للصلاة سويا وللتركيز أكثر وقت المذاكرة، وأصبح الأولاد أكثر هدوءا من ذي قبل.

انا من الساعة الرابعة حتى التاسعة والنصف خارج نطاق الخدمة.. أنا من الساعة الرابعة حتى التاسعة والنصف كل ليلة، اصنع الذكريات لعائلتي وأولادي.

اقتربوا أكثر من فلذات أكبادكم وأزواجكم وأسرتكم وأصدقائكم، ولا تجعلوا الهواتف الذكية تصنع منكم أشخاصا حمقى.

استمتعوا بالنظر في وجوه من تحبون، وعيشوا معهم كل لحظه كأنها اللحظه الاخيره قبل فوات الآوان.. شاركوا أصدقاءكم المشاعر الحقيقية واستمتعوا بالحديث معهم بعيدا عن السيلفي والتاج والشير.

كوني امرأة أكثر رومانسيه بكلمات حقيقية من القلب بعيدا عن تاج لزوجك في بوست أحمر به وردة بلاستيك على مواقع التواصل الاجتماعي.

اترك إيميلات العمل لوقتها، وخصص وقتا يوميا للحديث مع ابنك عن كل ما يشغل باله.

أردت أن تهنئ صديقا، فاحمل بعض الزهور واذهب إليه، وهنأه.

أردت أن تطمئن علي والديك، اذهب لهما واملأ عينيك بالنظر إليهما.

عيشوا المستقبل بلا سذاجه.. اصنعوا الذكريات.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top