نانيس القاضي تكتب: أرزاق

أشفق على من يراقب الناس ولا ينتبه لحاله، فيهمل حياته.. لا يرى فيها شيئا جميلا، ويلتفت لغيره.

يعيش يتتبع الناس، وينسى حاله وحياته.

في حياة الإنسان شيئان إذا تخلص منهما، سيمسك بزمام الراحة والسعادة، هما الانشغال بالماضي والانشغال بالآخرين.

مسكين مسكين من يدق باب الماضي ويفكر فيمن رحلوا، فيفقد ماضيه وحاضره، والمسكين أكثر منه، هو الذي شغل نفسه بأحوال غيره وسخّر وقته وسنينه لمراقبة الناس، فيفقد راحته.

حقيقي أن كل نعمة منحها الله للإنسان هي رزق من رب العالمين.. الصحة والستر جميعها نِعم من الرزاق سبحانه على عبيده، فهناك من رزقه الله بصديق وفي، وهناك من رزقه الله بصحة جيده، لكن أسعدهم رجلا يرضى بالمقسوم.

قالوا زمان في المثل: \”اللي كتب غلب\”، أي أن المكتوب عند الله لا مفر منه، فما الداعي أن تشغل بالك، وكله مقدر ومكتوب؟!

ومن إيمانك بالقسمة والنصيب، يأتي التصالح مع النفس والرضا بقسمة الخالق.

قال رسول الله: (إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله) أخرجه ابن حبان في صحيحه.

لكن من طبع الإنسان البحث عن المتاعب وشغل باله بحاله وبحال الناس.. هي دنيا تشغل الإنسان دائما بما يرهق عقله وقلبه، فاز فيها من بحث عن رضا ربه وراحة باله، ورزقك هاتاخده لو بينك وبينه بحور، ونصيبك هيصيبك مهما هربت منه.. ده ساعة القدر يعمى البصر.

وللإمام الشافعي ومن أحب أبيات الشعر التي كتبها إلى قلبي، حين قال:

\”توكلت في رزقي على الله خالقي.. وأيقنت أن الله لا شك رازقي\”
وبعض النِعم لا نشعر بها حقا إلا عندما نفقدها، حتى إن منها ما لا يخطر ببالنا.. إنها نعمة كبيرة من رب العالمين، فأنت تذهب ماشيا على قدميك، وتركض أحيانا، وغيرك لا يستطيع، لكنه يذهب بخياله إلى أبعد بقاع الأرض.. ترى بعينيك وغيرك لا يرى، وصاحبه يرى، ولكن له قلبا أعمى، وأخرى شديدة الجمال، لكن بلا روح، وبجانبها من يراها البعض أقل جمالًا، لكن حباها الله بجاذبية قد تسلبك عقلك، وملك غني تعيس، وفي مملكته رجل بسيط سعيد.. أتذكرون قصة \”قميص السعادة\”؟

لكن إلى جوار الرضا، فإن أجمل نِعم الله على الإنسان، نعمة السعي والاجتهاد وتكرار المحاولة والخطأ، لتحسين أوضاعه وظروفه ونفسه وحياته، دون الحقد على حاله وعلى الناس.
وأهي أرزاق مكتوبة أربعة وعشرين قيراط متوزعين بحكمة ربك وعدله على الخلايق، فاجعلنا يا رب من الراضين برزقك، وامنح عبيدك الستر والرضا وراحة البال يا كريم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top