ناصر عبد الرحمن يكتب: كاتب السيناريو

لم احلم بالعمل في السنيما حتى بعد قبولي في معهد السنيما.. رغم الأماكن التي عشت فيها.

\”روض الفرج\” حي شعبي، فيه سكني وسكن جدي وأخوالي.. فيه الأولياء سيدي الحلي وسيدي فرج، وفيه مدارس الإبتدائي والإعدادي والثانوي، وفيه أول حب وأول صدمة عاطفية، وفيه أول إحساس برجولتي، وفيه أول فقد تملكني عند موت جدي حمدان حادي الجمال.. الرجل الذي احب ولم يكره.. الرجل الذي حملني إلى السماء حتى أرى مسكنه في الجنة.

حي روض الفرج الذي مد لي شوارعه ودروبه ونهره المسكون بالجمال، كذلك حي الجمالية مكان عشت فيه سنوات العمل في دكان أبي في شارع الصناديقية بحي سيدنا الحسين.. حي المقام الروحي لسيدنا الحسين رضي الله عنه.. كنت ارى احتفالات الناس بمولد سيدي الحسين والمشي في شوارع وحواري الجمالية، حيث عشت في أماكن اشتهرت بأسماء روايات نجيب محفوظ ( زقاق المدق – قصر الشوق – السكرية…) عشت داخل أسوار القاهرة، ورأيت خان التجار وعمال خان الخليلي وتجار الأقمشة بالأزهر وتجار العطارة بالحمزاوي الصغير، وركبت تروماي العتبة لأذهب لجدي عبد الرحمن.. عشت بين أحضان التفاصيل.. ضحكت وبكيت، ولم أتصور أبدا أن تصبح حياتي السابقة هي مصدر مهم من مصادري ككاتب سيناريو.

لم أتصور أن البكاء على سوق روض الفرج وإفراغه من أهله والصراخ ومعارضة نقل السوق والإحساس بالظلم الواقع علينا من هذا النقل، سيُصبِح موضوع فيلمي الأول، وان التفاصيل التي عشتها سأكتبها مشاهد، وأن حيرتي وحدي وبحثي عن نفسي سيُصبِح النص سينمائي (المدينة)، وكذلك جذوري الجنوبية، فنحن من عائلة عجاج بسوهاج.. عائلة احترفت الهجرة وتوحدت مع الغربة بحثا عن الرزق في القاهرة.

ولم أكن أدري أن كتابة الجوابات لأهلي في الجنوب، وهي جسر الكلمات الواصل بين أبي وأمي وجدتي في القاهرة، وبين عماتي وأهلي في سوهاج.. لم أكن أدري أن فشلي في دراسة الاجتماع في أسوان وفشلي في معهد السياحة والفنادق، سيكونا سببا في دخول امتحانات القبول في معهد السنيما.

لم اعلم أن ظهور فيلم \”المدينة\” بأفيش فرنسي، وأن موت أبي بعد مرضه القصير أمام عيني الغافلة، ستكون تفاصيل أساسية تشكل منبعا لأفكاري فيما بعد.

إن كل حياتك أيها الكاتب هي ملك للحكايات، وإن الشخصيات التي تصادفها أيها الكاتب هي ملامح أساسية من ملامح شخصياتك في أعمالك السنيمائية، واعلم أيها الكاتب أن تاريخك وزمانك ومكانك، عناصر مرئيّة وغير مرئية داخل صفحات نصك الدرامي، وإن مقدار احتمالك وقوتك وصبرك في تجاوز عثرات كثيرة في طريقك المهني.

ستجد من يتجاهلك ومن يسخر منك ومن يسرق مجهودك ومن يحبطك ومن يتمنى موتك، وعليك الإيمان بموهبتك والاستماع إلى عقل قلبك، وعليك الكتابة والكتابة والكتابة، وأن تعيش كتابتك ولا تنفصل عن الحكاية حتى تبوح لك بسرها، وعليك أن ترد على المشككين بالكتابة الجديدة، وعليك أن تعلم أن الكتابة عذاب وشقاء وتعب، نهايته عذبة حنونة ناعمة، وأن الفرق بين الكاتب وغيره من وهبه الله بالحكاية.

فاستوعب طريقك سيدي الكاتب وأنت تقدم عليه، ولا تنس سلاحك، ولا تسمح لأحدهم أن ينزع سلاحك من يدك، وسلاحك سيدي الكاتب هو الحب والحب والحب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top