ناصر عبد الرحمن يكتب: دكان عجوة 

يتعلق بما يعجبه ولا يستطيع منع نفسه من التعلق، لكن سرعان ما يتبدد إعجابة إلى ترك واهمال وهرولة إلى تعلق جديد.. لا أحد يطيق طاقته وسرعته.. يسكن قرية فقيرة بسوهاج.

يصبح معجبا بقريبته هادية، فيذهب إلى نخل والدها ليصعد النخل، لعل هادية به تعجب، وهو يصعد قبل أقرانه، لكن همته لا تتناسب مع قوة بنيانه، فيسقط من فوق النخلة ويضحك عليه القرية كلها، فينزوي أياما في بيته لا يخرج ولا يأكل، حتى تدفعه أمه في صراخ وعويل، وتقسم بطرده، فيفارق بيوت القرية ويجلس على الترعة يجوع فيغطس، ويخرج بقرموط يشويه وقت مرور المعلم كرم الذي يقود المرسيدس بنفسه من سوهاج إلى سوق العبور.. كرم يعجب برائحة الشواء، فيخرج من المرسيدس يترجرج بجسمه الضخم ليجلس بجواره، يرحب به قنديل ويصر على إطعامه، ويهم لقطع أعواد الخضرة من شاطئ الترعة ويغسلها من زير السبيل، يبدأ المعلم كرم الأكل بنهم، وهو يسأل عن اسم قنديل وعائلته، وقنديل يبتسم من أنس الزائر العجيب الذي يفاجأ بالتفات قنديل واندفاعه تجاه صوت موكب فرقة إنشاد ومدح، ويسير قنديل خلف الفرقه بلا حسابات، وقد نسى ضيفه وطعامه، معجبا -كعادته- لا يسيطر على شعوره، ليستقر قنديل في مولد سيدي حجاج يردد معهم أبيات الشوق والهيام، يأكل مع أفراد الفرقة ويشرب ويطرب حتى يعجب بصبية شقراء خوجاية ترتدي البنطلون والتي شيرت عليه رسمة ميريت، فيترك المولد وخلفها ينجذب ويسير. تضحك من إصراره على السير.. تفترق عن الفوج السياحي وتخبر المرشد السياحي بأنها ستعود إلى الفندق وحدها.

وتجلس الخوجاية على كورنيش النيل، وبجوارها قنديل الذي ينظر بإعجاب إلى شعرها الذهب وعينيها الخضراء ورشاقتها.

تسأله بالفرنسية عن اسمه، وهو يردد أشعار العشق والوله بصوت أخّاذ. جمع حوله الفوج السياحي كله، وما إن استيقظ من غنائه، حتى فوجئ بعشرات الجميلات يصفقن له، ليتغير حال قنديل ويعجب بمركب شراعي تسبح به حتى الشاطئ الآخر وجزيرة الموز، فيقرر قنديل النزول للجزيرة، ورغم رفض المراكبي يقفز في النهر حتى يصل للجزيرة.. جزيرة الموز.

الفجر يأتي بلا موعد.. الفجر وجه النهار وبابه.. يصلي قنديل الصبح، وهو يقف أمام النهر، فيعجب بصندل يقترب وبدون تأشيرة يقفز قنديل على سطح الصندل الذي يحمل أحجارا من أسوان إلى القاهرة، وفي القاهرة يزور قنديل مقام سيدنا الحسين.. يأكل طعمية من الحلوجي ويشرب الشاي من الفحام في الصناديقية ويناديه النحاس، فيساعده ويحمل معه بالات الخيط حتى يصلي معهم المغرب في جامع الأشرف، فيعجب بزخارف الجامع، فيمكث ولا يترك ساحته.. ينظف حماماته ويغسل رخام أرضياته، وينام وسط صحن الجامع ووجهه للنجوم، حتى يوقظه قرآن الفجر، وتمر الشهور وهو بين عمله \”شيالا\” عند الحاج النحاس وبين خدمة جامع الأشرف.. يعيش قنديل حتى يعجب بفتاة تشتري الخيط من دكان الناس، فيسير خلفها متجاهلا صيحات النحاس، ويتوه قنديل خلف الفتاة في دروب حي سيدنا الحسين ليجد نفسه في حارة قصر الشوق، حيث تقف الفتاة أمام دكان عصير قصب.. يقترب وقد خلع إعجابه بالفتاة بإعجاب بصوت جميل مؤثر يصدح من كاسيت دكان العصير.. يلزم قنديل جوار الكاسيت.. يرقص في نشوة كطير يرفرف في ارتجال يجعل المارة تنتبه، وتعجب برقصه وإيقاعه، وقنديل لا يدري من أمره شيئا، حتى يوقظه المعلم كرم، الذي يصحبه معه في سيارته المرسيدس إلى دكانه في. سوق العبور.

المعلم كرم صاحب دكان عجوة، وفصص يا قنديل العجوة، وثلاثة مواسم لم يخرج قنديل من دكان العجوة، ولم يرفع عينيه في عين فيروز بنت المعلم كرم، التي أعجبت به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top