كالعادة خرجت من غرفة نومي حتى لا أزعج زوجتي بقلقي.. جلست أمام الشاشة العبيطة لأرى واسمع بعض العبط، لكني مازلت متوترا.
أم كلثوم نبع صافي، لكني اشتقت لوردة وصدق ظني كانت تغني (احضنوا الأيام لتجري من أيدينا)
خرجت بصوت وردة للبلكونة.. ما أجمل نفس الصبح بعد صلاة الفجر..
جدار البلكونة مزين بالثوم والبصل وعناقيد البامية والملوخية، وكتاب صغير في ركن البلكونة.. كتاب سيرة ذاتية (لجيمس دين) السماء تكشف نورها.. تنتهي وردة من الغناء وتنسحب إلى جوار دولتها، والكتاب بين يدي أحرك صفحاته في اهتمام متزايد لدرجة الانتهاء من الكتاب وإعادة قراءته مرة أخرى.. من هذا الشهير؟ وكيف لمعانه نار يرتمي في أحضانها يصرخ من الألم ونحن نصفق؟ يبكي من الغربة ونحن نأكل الفيشار.. ينزف من بطنه دماء تكاد تقتله ونحن نشرب الكانز.. يصطدم بحبيبتة ويفترق عنها ونحن نتلامس بأطراف أصابعنا في ظلام القاعة.
يخرج هذا الشهير من قميص شهرته ويخلع عضلاته وقدراتة ويمسح الألوان من فوق وجهه ليجلس لحظات مع نفسه دون وجهه الشهير دون ضوء ودون تصفيق ودون صراع ودون فلاشات المصورين.. ينظر إلى عين نفسه مهموما ضعيفا يفتقد الحنان المجاني.. يفتقد الحب.. يفتقد الحرية.. يفتقد انسانيته، ومع هذا الكم من الافتقاد يقرر النجم الشهير أن يرتدي قميص شهرته فورا.. يقرر الهروب من بوابة حقيقته إلى رحاب مصنوعة لتصور أمام الكاميرا.
لماذا يشعر المشهور بخوف من الاصطدام بنفسه؟ ولماذا يبحث عن غيره ليرتديه؟ لماذا يبتعد من ذاته فيقترب من شهرته؟
عذاب يقاتل ليظل فيه، ونزيف يصر على ظهوره ونار دونها يتجمد.
تذكرت مذكرات الأديب العظيم طه حسين، وكيف يحكي طفولته ليظهر انبهاره بفرنسا.
تذكرت إبراهيم الأديب الذي ذهب عقلة في ساحة أوروبا، وتذكرت مذكرات شارلي شابلن ويوسف وهبي ومحمد عبد الوهاب والكثير من أدب هذا الفن المخيف، الذي يجيب عن نفس الألم وهو ألم الهروب إلى أحضان الشهرة حتى تبقى وتبتلع تفاصيل إنسانية وتخلق آبارا مظلمه لا ماء فيها.
يحلم كل إنسان بالنجاح والشهرة، بل يسعى بجهد يجعله يفرط في قميص نفسه ليرتدي ملابس التصوير.
لماذا النجاح والشهرة مرتبطان بالعالم دون الشهير نفسه؟ ولماذا الجمهور يربي بحرفية شديدة نفسية جديدة لنجمة الذي يشير إليه ويصفق له، وكأن الشهير عبدا لشهرته، وكأن الشهير مهما كانت أسباب شهرته يعي تماما قواعد اللعبة، فطالما تريد شهرتك، فعليك أن تحافظ على نور الفلاشة مضيئا حتى لو أظلمت نفسك، حتى لو نسيتها وهي تصرخ من التجاهل، حتى لو قتلتها لتتخلص من أصوات يكرهها صانع شهرتك.
إسماعيل ياسين يتخفي بإبراز ملامح فمه ليضحك الجمهور سبب شهرته، ويصور مئات الأفلام وينسى صورته هو.. ينسى قلبه ويموت فقيرا حزينا. وحيدا، لكنه ترك أفلاما شهرته لنشاهدها ونحن نأكل البطيخ أمام الجهاز العبيط، كذلك عبد الفتاح القصري الذي ترك الدنيا فقيرا.. يعمل الأدوار الثانوية ويفقد بصره ليشتري طعامه ودواءه، ومئات المشاهير في العالم قتلتهم شهرتهم مثل مارلين مونرو وداليدا ووووووو.
جميعهم في طابور ضحايا شهرتهم، ليثار سؤال معتاد: ماذا لو حافظ المشهور على نفسه من وحش شهرته؟! والاجابة أن الواعي بإجابة السؤال يفقد المصداقيه في التوحد مع قميص شهرته.
الناموس قطع أيدي ورجلي.. هادخل جوه واقفل باب البلكونه وابعت المقال لموقع زائد 18.