من أول ما تفتح عينك وأنت بتجري.. بتجري وأنت نايم.. بتجري قبل ما تلبس شبشبك.. بتجري قبل ما تغسل وشك.
لكن بتجري بس من غير نتيجة.. بتجري وخلاص علشان تبقى عملت اللي عليك.
الموظف كل يوم بيجري على مكتبه، ومفيش أي نتيجة.. العامل بيجري على ورشته، والمهني بيجري على محل أكل عيشه، حتى العاطل بيجري لحد القهوة يشيش.
وأمي بتجري، وجيراني وكلنا بنجري.. لنفس الدكان.. لنفس الشارع.. وبنقعد على نفس الكرسي.. كلنا بنتسرق.. كلنا بنحس بعد الزمن ما يمر، رغم إننا مابنبطلش حركة، بس حركة مخنوقة في دايرة واحدة، واللي بيقف محدش بيسمي عليه، ولا حد بيفتكره.
كله لازم يفضل ماشي وخلاص، ومحدش عنيه على نفسه ولا حد شايف نفسه ولا حد بتهمه نفسه، والدليل إن الكل بيبص على الكل.. محدش بيبص في ورقته.. محدش مشغول باللي جواه.. زي الصعيدي اللي رافض يتعالج!
سنين تشيل فيه، وسنين تحط، وهو مستحمل، ولما وقع، وجابوله الدكتور.. استشهد! أصل حس إن قيامته قامت، وبدال ما يسمع من الدكتور ويتعالج، يرجع ريما لوالدتها القديمة وميكملش علاج، ويستعمل – لحد ما تقوم قيامته بجد يعني مش دايماً- الحركة بركة، خصوصاً لما تبقى حركة غلط مش في مكانها.
حد تاه قبل كده.. حد نسي إنه لو كمل في الشارع ده مش هيرجع تاني.. لما تتوه لازم تقف، وما تكملش حركة.
لما تتوه لازم تعتمد إن أي حركة غلط هتزود التوهة، وبدل ما تلاقي نفسك هتتوه من نفسك على طول، مش قصدي بالكلام ده الكسل، ولا قصدي إحباطك، لكن قصدي تبص الأول على سبب الحركة قبل الحركة نفسها، ممكن السبب يبقي حبل له أول ودايب في النص.. هايستحمل إيه؟ هتلاقي نفسك ماسك في الهوا زي عبدالحليم حافظ. ولو السبب باب مفتوح، لازم نتأكد إنه مفتوح لينا، مش لغيرنا، ولازم يكون ورا الباب سبب يخصنا.
يعني لو الواحد بيجري على الباب، عشان يدخل قبل غيره، بص لقى اللي وراء الباب حفرة وقع فيها.. مش هيقدر يعمل فلاش باك ويرجع يقف بعيد عن الحفرة.
الجري للجري يهد الحيل، بس مامنوش رجاء!
زمان كنا نفتح عنينا ونلعب الست المستخبية تفركش، وكل واحد يجري يستخبي عشان محدش يشوفه.. كنت ناوي أجري في حواري شارع 8.. كانت حواري شمال معظم اللي ساكنها بيتاجروا في الحشيش، والباقي بيدمسوا فول وبيسرحوا بعربيات الفول في الحتة.. كنت باجري جوه الحواري، ومتعود على المفاجأت، لقيت وأنا بجري قلم وش وقفا! طلع مخبر فاكرني ببلغ، ولما عرف إن خالي محامي، سابني أكمل جري ورجع الشارع للعب.
ما لقتش حد يعني.. العيال روحوا واللعبة خلصت وأنا لسه باجري!
وكتير لما كبرت ودخلت كلية السياحة والفنادق، كان الكلام ده سنة تسعين، حضرت محاضرة لمحاضر يوناني، نسيت اسمه، خرجنا كلنا برا الكلاس، ونده لواحد فينا قاله كلمة، وطلب منه أن يروح يقول الكلمة دي للي بعده، وآخر واحد فينا بدل ما يقول ايزنستيشن، قال شيشة، واتعلمت من المحاضرة دي، إن الواحد قبل ما يجري، لازم يعرف بيجري ليه؟
كالعادة نسيت، ودخلت معهد السينما وعملت فيلم \”المدينة\”، وقعدت اكتب فيلم إسمه \”غزال في شارع الدول\”.. كملت جري بالسيناريو، ومعايا المخرج محمد ياسين من شركة المنتج لنجم.. ولا الهوا، والجري كله على الفاضي، ولا حد عبرنا.
في حين كنت ماشي في شارع لوحدي، كلمني الأستاذ جابر، وطلب مني أن أقابله، عشان أقعد مع يوسف شاهين، ومن غير جري ولا بتاع، قلت ولا الهوا، وروحت المعاد، وحطيت احتمال واحد في المليون إن شاهين يوافق يشتغل في فيلم من كتابتي.
المقابلة كانت الساعة عشرة ونصف.. يدوبك قولت حاتم شبرا، والاقي شاهين عينه بتلمع ويقولي: اطلع لجابر.. امضي الفيلم يعني \”هي فوضى\”.
اتكتب واتنفذ بفضل الله من غير جري ولا سعي أصلاً، وبرضه في المقابل عدم الجري والاستسلام للراحة ولعب الطاولة ونفخ الدخان في الآخر بيجيب جاز وصداع، وبيكبر الواحد 30 سنة، بعد كام يوم من القعدة على القهوة مع الزملاء من أصحابي بتوع جزيرة بدران.
نبدأ نتكلم عن بعض وبعدين نتكلم عن الشارع وبعدين نتكلم عن البنات وبعدين نتكلم وإحنا بنمصمص شافيفنا على عمل، واللي سوا واللي ركب عربية واللي سافر، واللي مش عارف إيه، وتتقلب القعدات عواجيزي جداً، بما أننا مش في الأربعينيات ولا في التسعينيات من عمرنا.
يعني حتى السكون له أصول.. لابد للحركة وللسكون من حكمة وصنعة وتدبير.. علينا أن نتحرك في وقت اللزوم.. حركة ليها معنى، وخطوة على سلمة سليمة مش مكسورة، ولما نسكت.. نسكت بالتدبر والهدوء.. مش عايزين نبقى زي اللي وصفهم ربنا في القرآن الكريم، قال تعالى: \”ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين\”. صدق الله العظيم