كنت امشي وحدي في الحواري بلا تعب.. بلا توقف عند بيوت أخوالي المنتشرة في الحي، حتى اصل إلى خالتي قمر، صاحبة الأنس والطاقة الإيجابية، التي علمتني فرقا جديدا بين الناس، وهو الأُنس.. كانت تجلس وتبتسم والجميع ينتظر أن توجه له الكلام، وعندما تضع الطبلية، يجلس حولها الجميع ليأكل طاجن سمك التقلية.
يااااااه على الأنس وأصحابه.. الله يرحم أهل الأنس، وهم في ندرة مطر الصيف.. الأنس يجمع ولا يفرق.
وبالأنس تتحقق صلة الرحم، حيت يأتي الجميع منجذباً كالمغناطيس إلى أصحاب الأنس.. لن تستطيع استخدام الطناش معهم، لأنك تحتاج إلى أنسهم وطاقتهم التي تزيدك حبا وودا.
الأنس مع الناس الطيبة مكسب وزيادة، لأن أرواحهم تبدل مشاعرك من إلى.
جرب أن تذهب إلى شخص جلسته فيها أنس، وجرب الجلوس مع شخص طاقته سلبية.. دائم الشكوى كئيب مظلم، لتعرف الفرق الفظيع، فهذا يدعوك للحياة وهذا يدعوك للموت، والعجيب أن أصحاب الأنس يتناقصون أمام أصحاب الطاقة السلبية، ومهما كان الشخص عنده منصب أو مال أو نسب أو علم، لكنه محروم من الأنس لا يعول عليه، لأن الأنس يزين الإنسان.. يجعله جذاباً محبوباً.. سره في الطاقة الإيجابية التي يمدك بها دون معاناة ودون طلب.. تراهم أصحاب الأنس نجوما لامعة، مهما كان وضعه ومركزه وأحواله.. اذكر عم أبوضيف، وهو مكوجي رجل، والمكوجي الرجل غير المكوجي المعروف الآن، لأنه كان يستخدم مكوى ضخمة لها ذراع صلب.. يحركها بصعوبة ومهارة ليكوي الجلابيب الثقيلة الصعيدي لمعلمي وتجار سوق روض الفرج، وكنت اذهب لعم أبوضيف، وأنا احمل جلباب أبي الصوف الثقيلة جداً، وأنا أكاد أطير من السعادة، فقط لأجلس بالقرب من أبو ضيف.. يحرك المكواه وهو يدندن ويغني لأم كلثوم، وحوله رجال وتجار الحي منسجمين لأنسه وطاقته التي تزيد الكل بالرغبة في الحياة، كذلك أستاذ حمدي مدرس اللغة العربية الذي يتحرك بين جموع الطلبة كنجم، لا ينسى بسبب طاقته الإيجابية العظيمة، كذلك جدي حمدان الذي ينتظره الجيران والأهل والأصحاب، لدرجة إستحالة وجوده وحيدا في أي مكان يظهر فيه.. يقترن ما سبق بدعاء الأمهات لأبنائها: \”ربنا يحبب فيك خلقه\”.. \”خدلك من كل بلد صاحب\”.. \”معرفة الرجال كنوز\”، كما أن الأزمان القديمة تمتلئ بأصحاب الطاقات الإيجابية من أهل الأنس، ويا بخت وحظ من يصادف صاحب أنس في عمله، فسوف تتضاعف متعته بالعمل في وجودهم.. اذكر منهم الأستاذ محمود عبدالعزيز، وهو صاحب أنس وطاقة إيجابية عظيمة، جعلتني أذهب إلى اللوكيشن فقط لأجلس بجواره وأنَس به.. إنهم جواهر كل زمن ونجومه.. انصحك بالبحث عنهم وملازمتهم، لأنهم نهار هذا العالم وشموسه.
كان أبوضيف في نهاية عمره، لا يقدر على رفع المكواة بسبب ضعفه وعجزه، فترك لابنه إدارة الدكان، وكان ابنه \”غرام\” مغرورا تافها، يريد حفر اسمه على حساب أبو ضيف والده، فأحضر خطاطا ليغير يافطة الدكان من دكان أبوضيف إلى دكان \”غرام كلين\”.. الأمر الذي أغضب أبوضيف، لكن غضب أصحاب الأنس مختلف.. جلس أبوضيف على باب الدكان يغني ويحكي للناس حكايات وتفاصيل مر بها في حياته، ويوما بعد يوم تحولت جلسة أبو ضيف إلى معلم شهير، يذهب إليه أهل الحي، وكل من يشعر بملل، وكل من تشاجر مع زوجته، وكل من ضاقت عليه حياته، حتى هرب ابنه \”غرام\” من الدكان، فلم يبق من الدكان غير اليافطة \”غرام كلين\”، فسلاح الأنس لا يهزم أبداً، ووسط هذا العالم المزعج الكذاب القاسي الذي يطارد أصحاب الطاقات الإيجابية \”أهل الأنس\”، انصحك بالهروب من كل سلبي تراه.. ابتعد عنه وفر وحاربه بكل طاقتك، وابحث عن النور.. عن الطاقة الإيجابية.. عن الأنس.. عن الحياة.