نادين يسري تكتب: هل هو المجتمع بالفعل؟ أم نحن مصابون بمتلازمة ستوكهولم؟


عام 1973 في السويد، تحديدًا ستوكهولم، حدثت عملية سطو مسلح على بنك كريديتبانكين وتم احتجاز أربعة رهائن لمدة 131 ساعة أي ما يعادل خمسة أيام ونصف تقريبًا. وبعد عملية تحرير الرهائن فوجئت السلطات بدفاع الرهائن المحررين عن المختطفين بل وتعلقهم العاطفي الشديد بهم. سميت هذه الظاهرة من قبل المختص في الأمراض النفسية (نيلز بيجيرو) باسم \”متلازمة ستوكهولم\”.
باختصار، \”متلازمة ستوكهولم\” تعني أن تكوّن رابطة عاطفية مع شخص يسيء لك وتكن له الولاء والتعاطف.
لهذه الظاهرة سمات كثيرة، لكن أكثرها وضوحًا هي:
– تكوين مشاعر إيجابية تجاه شخص مسيء.
– تكوين مشاعر سلبية تجاه كل من يمد يد العون. شيء غريب أليس كذلك؟ كيف لإنسان أن يحب من يسيء إليه؟ ولكن كيف لا؟ ونحن أصحاب مَثَل \”ضرب الحبيب زي أكل الزبيب\”
يمكننا القول إن \”متلازمة ستوكهولم\” هي نوع من أنواع وسائل الدفاع التي يقوم بها دماغنا للقضاء على أي شعور غير مريح نشعر به. أي أننا نعلم أنه هناك خطرٌ يحدق بنا ونتعرض للإساءة بشكل كبير، لكننا نستمر في الخضوع لسبب ما.
ما العوامل التي تجعل الضحية تخضع لشخص مسيء لها؟
من أسباب الخضوع هي \”اللطف الصغير\”، نجد فيه أن المسيء عندما يعامل الضحية بلطف في مرة عقب الإساءة لها، فبعد أن يضرب الزوج زوجته على سبيل المثال ثم يقوم بعد ذلك بتقبيل رأسها أو ما شابه، تجعل الضحية تستشعر الجانب اللطيف منه، أي أن الشخص المسيء الذي يظهر بعض اللطف للضحية أو على الأقل يمتنع عن إصابتها بأذىً لفترة ما، يجعل الضحية تظن أنه ليس بذلك السوء.
من العوامل الأخرى التي تسبب خضوع الضحية هي \”الجانب الناعم\”، يقوم فيها المسيء بابتزاز الضحية عاطفيًا، عن طريق إخبارها عن الصعوبات التي واجهها في طفولته، أو اكتئابه الشديد بسبب لا يعلمه، أو الضغوطات الشديدة التي يواجهها في عمله.
كل ذلك يدفع الضحية لالتماس الأعذار له.
لازلنا مع الزوجة التي ضربها زوجها، سنجدها تلوم نفسها بأنها كانت هي من استفزته لضربها وأنه \”فيه اللي مكفيه\”.
وأيضًا من تلك العوامل هو الخوف من المسيء، حيث يتبع المسيء أسلوب التخويف والتهديد المباشر وغير المباشر. فعلى سبيل المثال، يقوم المسيء بتكسير التلفاز، أو الحديث عن أشخاص هجروه وقام هو بالانتقام لنفسه، كل ذلك يندرج تحت بند التهديد غير المباشر الذي يجعل الضحية تتساءل إن كانت هي التي ستلي جهاز التلفاز الذي تحطم أم ستدخل من ضمن الأشخاص الذين قام المسيء بإيذائهم لهجره. ويستمر الدماغ في الدفاع عن نفسه وتخليص نفسه من عدم الارتياح الذي يشعر به بسبب ما يلمّح له المسيء، فيخضع له.
من الأشياء الغريبة في ظاهرة ستوكهولم أننا سنجد أن المصابين بها يكرهون كل من يحاول مد يد العون لهم وتخليصهم من الشخصيات المسيئة لهم، فتظن الضحية أن الصديقة التي تحاول مساعدتها على سبيل المثال، تحاول أن تسرق زوجها منها. وترفض كل مساعدة مقدمة منها أو من أي شخص آخر.
ومن جانب آخر يقوم المسيء بإقناع الضحية بأن الأشخاص الذين يحاولون إبعادها عنه هم فقط يكرهونها ولا يتمنون لها الخير. وبالتالي يضمن المسيء استمرار الضحية في الخضوع له.
بعد ربط ما قرأته عن هذه المتلازمة بمجتمعنا، وجدت أن لهذه الظاهرة تأثير علينا في كل جوانب حياتنا تقريبًا. فإن أخذنا الزواج على سبيل المثال لا الحصر، سنجد أنه عند البعض في مجتمعنا يكون من المفضل أن تكون الزوجة خاضعة لزوجها في كل شيء، بل إنه من المفضل أيضًا الزواج بفتاة كالعجين الطري الذي ستشكله أنت كزوج كما تريد فيما بعد.
ومع ظهور المشاكل والتعديات في الزواج تبدأ الزوجة في الخضوع بشكل لا إرادي لأسباب كثيرة، منها: \”المشكلة ماتستاهلش\” – \”عشان المركب تمشي\” – \”يعني أعمل إيه\”. ترفض الزوجة حتى مساعدة نفسها.
أظن أنه من الصعوبات الأخرى التي تمنع الضحية في مجتمعنا من التخلي عن المسيء هي:
– الأطفال:
من أكثر الأسباب شيوعًا لتحمل الزوج المسيء في مجتمعنا. فنجد أن الزوجة وعائلتها ترفضان الطلاق رفضًا قاطعًا بسبب وجود الأطفال. حتى لا ينشأ الأطفال بعيدًا عن أبيهم ظنًا منهم أن ذلك أفضل لحالتهم النفسية فيما بعد. لكنهم غفلوا عن فكرة أن مشاهدة الإساءة كل يوم تقريبًا قد ينشئهم تنشئة خاطئة تمامًا، فعلى المدى البعيد يصاب هؤلاء الأطفال باضطرابات نفسية وسلوكية عديدة تمنعهم من أداء دورهم الطبيعي في المجتمع.
– الخوف من الضغط النفسي الذي يتبع الطلاق:
لا يخفى علينا أنه أحيانًا يكون الزواج هو الطريقة شبه الوحيدة في بعض عائلات الطبقة المتوسطة في مجتمعنا لحصول الفتاة على حريتها المطلقة؛ حيث إنها بهذه الطريقة تكون قد خرجت من وصاية والدها إلى وصاية زوجها (وجه آخر لنفس العملة) فإن حدث الطلاق تعود الزوجة إلى وصاية الوالد مرة أخرى، لكن مع مزيد من التحكمات بحكم أنها الآن \”مطلقة\” فغدت كلمة مطلقة وصمة عار وفزّاعة لكل سيدة في مجتمعنا. فتتحمل الزوجة الإساءة بسبب أنها ترفض لقب \”مطلقة\” وما يصحبه من ضغوطات عليها.
– المخزون العاطفي الكبير:
المرأة عاطفية بطبعها، لا أحد يستطيع إنكار ذلك. فمع كل موقف تتعرض فيه للإساءة تتذكر بشكل لا إرادي كل موقف لطيف وكل ذكرى جميلة كانت مع المسيء، وبالتالي تروح مشاعرها تقفز أمام عينيها. تقول إحدى السيدات: \”أعلم أنه يسيء إليّ، لكنني لازلت أحبه\”
أعتقد أن متلازمة ستوكهولم تظهر جلية جدًا في هذه الحالة.
هذه الأسباب الثلاثة هي الأسباب الأكثر شيوعًا في الحالات التي مرت عليّ والتي تتركني أمام تساؤل:
هل هي عادات المجتمع بالفعل هي التي تجبرنا على تقبل الإساءة؟ أم هي متلازمة ستوكهولم؟ أم أن المجتمع كله مصاب بتلك المتلازمة؟
هذا هو التساؤل الذي لم أجد له إجابة.
المصادر:
Stockholm syndrome
Love and Stockholm Syndrome:The Mystery of Loving an Abuser
Defense Mechanisms
Children and Domestic Violence
الحصول على لقب \”مطلقة\” في مصر يعرض المرأة للإهانات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top