جميعنا يعشق ويتلهف لاستخدام الطريق المختصر للوصول إلى هدفه, حتى وإن كان هذا الهدف هو الحصول على ختم \”الأستاذة سامية في الدور الخامس\” للهروب من زحمة المواطنين وحر الطابور اللامنتهي.
وقد يبذل بعضنا الغالي والنفيس للوصول لختم وموافقة الأستاذة سامية, ويشمل مصطلح \”الغالي والنفيس\” في بعض الأحيان المباديء والأخلاق, وهو ما يلجأ إليه عادة ضعاف النفوس, وأصر على تسميتهم بضعاف النفوس وليسوا مجرد ضحايا نظام روتيني جشع، متهالك فحسب, فدور الضحية لم يخلق لبني البشر, صنع الله الأعظم.
لكن ليس هذا ما يدفعني لكتابة تلك السطور، ولا يدفعكم لقراءتها, الأهم هو رجوعنا الآن لآلة الطباعة العظيمة, عظمتها في قِدَمها, كبر حجمها الذي اتسع ليشمل شعوبا, وأمما، بل وحضارات.
فاختزال الإبداع الشبابي في الأوراق المُرفقة بختم النسر, في استهلاك طاقة العمر في السلالم ما بين الدور الأول \”غرفة عزيزي المواطن خطوات بسيطة وتنهي المصلحة\”، مرورا بالدور الثاني غرفة \”ادفع هنا واستلم الفكّة لما ربنا يقدّر\” مع قليل من التفاؤل للوصول إلى الدور الخامس مكتب الأستاذة سامية, تلك الخطوة المُسمّاة بــ : عدّي علينا بكرة, وإبقى قابلني!!! هذا الموعد الموحد، كل ذلك يجعل الشاب يدور في حلقة مفرغة!
المشكلة ليست في الوقت الضائع في نظام معلوماتي وإدخال بيانات معقد وغير مُجدي, ولا في الإرهاق الجسدي من وراء دخول تلك \”المطبعة\”، المشكلة الأعظم تكمن في الشعلة الدافئة بداخل كل شاب يقف في هذا الطابور, وهو على وعد مع نفسه منذ خروجه من المنزل متوجها للمصلحة أو \”المطبعة\” أن يتحمل أية عوائق منطقية أو غير منطقية في سبيل التقدم نحو الخطوة الثانية في مشروعه, فكرته, مبادرته أو حتى مساهمته التطوعية.
إذاً تلك \”المطبعة\” مع الأسف دوما تكون الخطوة الأولى, وهي خطوة لا تتعلم منها شيئا يدفعك للخطوة الثانية, بل في بعض الأحيان قد تكون الخطوة الثانية \”مطبعة\” أكبر وأكثر تعقيدا.
البعض يتساءل: ولماذا تحتاج الدولة دوما لمساعيك؟ \”الدولة مش هتعملّك كل حاجة\” اجتهد واعتمد على نفسك!
دعونا نضع الأدوار في محلها الصحيح, لست أنا من في حاجة إلى الدولة, فالدولة نفسها في حاجة -وحاجة ماسة جدا- لي, طالما أحمل لقب \”شاب وطني معافر\”، ولو رجعنا إلى منطق الأمور، سنجد أن الدولة ذاتها تقوم بتعليم هذا الشاب وتعالجه وتطعمه وتدفعه في خطوات متلاحقة للوصول إلى ذروة الطاقة البشرية التي تكمن في مرحلة الشباب من أجل أن يعمل هو بدوره آن ذاك على إكمال المسيرة من حيث أن انتهت الدولة.
المشكلة ليست في أن الدولة لا تقوم بدورها على أكمل وجه للوصول لتلك المرحلة, المشكلة هي عدم رغبتها في تسليم هذا الدور للشباب حتى بعد كفاحهم واعتمادهم على ذاتهم للوصول إلى تلك المرحلة.
مع عدم إيماني بلفظ \”المستحيل\” لكني أجده الأنسب وصفا حينما أقول أن من المستحيل أن يتفوه شاب بجملة: \”أنا فضلي على البلد دي كبير قوي!\”، ليس لأننا جيل لم يصل لإنجازات ضخمة ولم ينهض بالوطن, نحن نحيا و ننمو ونطور الوطن والوطن على وفاق رائع معنا في ذلك، إلا أن الدولة هي التي ترفض، لأن المقاعد محجوزة! لكن المستحيل في سماع تلك الجملة يتلخص في أن هذا الجيل أو أي جيل يأتي من بعدنا ويصل إلى لقب \”الشباب\” لديه من الطاقة الربانية المحترمة الكافية لدفع الوطن إلى الأمام وإلى منزلة أكثر رقيا دوما, لأننا شباب يعرف قيمة وطنه, وطننا يستحق أن نقف في طوابير طويلة, أن نتحمل أسلوب المعاملة السيء من أستاذة \”سامية\” والاستهزاء بأفكارنا, وطننا يستحق أن نضيع أوقاتنا بين \”الدور الأول\” و\”الدور الخامس\” للحصول على ختم على قطعة ورق لها في تطبيق محتواها على أرض الواقع الفرصة في خلق نظام وروتين أكثر حرصا على شغفنا, وطننا يستحق منا أن نصبر، بل ونبتكر أنظمة جديدة للتعامل مع طموحاتنا, نحن نؤمن بأن هذا الوطن أغلى من حرق طاقتنا في كرسي آخر بجانب \”الأستاذة سامية\”, نحن نؤمن بأن وطننا ليس \”مطبعة\”.