\”يا حبيبي الله يهديك\”.. هكذا اتضحت أولى الاختلافات بين الشخصيتين اللتين لم يصل البعض من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي بل والمهتمين من جمهور الـ Comics أو القصص المصورة في مصر للوصول إليها أو اكتشافها، ليس فقط لما تتمتع به كلا الشخصيتين من تشابه قوي على المستوى المهني، بل يتخطى الأمر حاجز –حتى- المواصفات الشكلية لهما لتصل إلى حد التشابه على مستوى الإنجازات، تلك الأخيرة التي تتصف بالتعاون والمشاركة والاستمرارية المدروسة إلى حد \”التوأمة\” مع تطوير الموهبة والتواجد على الساحة العالمية لما يقدمانه من فن!
هيثم ومحمد رأفت.. أحد النماذج الشابة التي قابلتها في رحلتي للبحث عن ما يترجمه الشباب من مهارات تتخذ من الشغف أساسا ومن الاحتراف نتيجة، على أمل تطوير ما يرعون من مجال وهما – بقصد أو دون قصد- يرويان من جديد مصطلح خدمة الوطن الذي عفا على فعاليته الأزمنة العربية على الأقل، وقد تكون تلك النتيجة متحققة فقط من وجهة نظر كاتبة تلك السطور، ولكن إن جردنا تلك السطور من هكذا نظريات سنجد أن شغف أحد التوأمين منذ الصغر \”هيثم\” بالرسم ثم انبهار الآخر بما يحويه هذا العالم من ألوان وأفق مرحبة لإبداعه بشكل أكبر من مجال طب الأسنان، ونقصد هنا \”محمد\”، ثم تخرجهما معا في كلية الفنون الجميلة بمصر والاستمرار في إنشاء أول مجلة قصص مصورة بجهود ذاتية، إنشاء منصة لتجمع الموهوبين من رسامي الكوميكس وتقديم ورش تطوير تلك المهارة تحت عنوان \”كوكب الرسامين\”، وصولا إلى أكبر تجمع لفناني الكوميكس في العالم على أرض مصر، ما هو إلا ترجمة حرفية وحِرَفية لنظرية تطور المهارة إلى شغف ثم إلى احتراف. والأخير ما هو إلا ترجمة غير مقصودة للمهمة الوطنية العتيقة الحالية المتمثلة في حرية الإبداع التي يحتار وتشتت في الوصول لمفاتيحها العديد من الشباب!
وتلك الإنجازات السابقة لاقت كغيرها من معوقات وعقبات كل بحجم كل منها على حدة، ففي البداية لكي يرى الجمهور أعمال التوأمين قاما بالعمل تحت قيادة وضمن فريق كبير وهو مجلة \”ماجد\” ومجلة \”علاء الدين\” لقصص الأطفال، واستمرا بالمشاركة في عملية التطوير هناك إلى أن قررا أن يمنحا هذا الفن وانفسهم مجالا أوسع للتعبير نظرا لرغبتهما في اتباع شغفهما في استخدام فن الكوميكس أو القصص المصورة لمناقشة قضايا البالغين وبشكل أكبر الاجتماعية منها، فقاما بتأسيس أول مجلة للقصص المصورة في مصر وتحمل اسم \”جراج\” والتي نشر أولى أعداها في عام 2015 وهو العدد رقم (صفر) وليس (واحد) والذي كان يوزع بالمجان على الأماكن والتجمعات الثقافية وأي من تلك المؤتمرات الفنية التي يدعون إليها، وهو الأمر الذي عكس طبيعة العقبات التي واجهتها فكرتهم، حيث في لقائي معهما عندما انتابني نوع من الانبهار بهذا الإنجاز بالرغم من الظروف الاقتصادية بل والسياسية في البلاد، تطرقت أولا للحديث عن الجانب المادي لمشروع المجلة \”جراج\” قبل الحديث عن مضمونها، عندما تساءلت:
– طيب هل كان في دعم مادي؟ ولا اتحملتوا كل حاجة من جيبكوا؟
– هيثم: كنا حابين التمويل يكون بجهود ذاتية وحتى وضحنا للفنانين المشاركين بأعمالهم إن هيكون صعب نوفر مقابل مادى، لكنهم رحبوا بده في المقابل الصراحة. بعدين أصدرنا العدد رقم واحد
– كان في أرباح؟
– هيثم: العدد جاب تكلفته ودي كانت مفاجأة الصراحة لأنه أول عدد كمان
– محمد: ده كمان بعد العدد زيرو، جالنا مستثمر خليجي على استعداد لتمويل المجلة، لكن كان عايز يحصل تدخل في النص للأسف.
– هيثم: ما هي دي المشكلة. أنت لو ماطبعتش وصممت محتوى ووزعت بنفسك مش هتلاقي ربح. الربح اللي يخليك تنفذ كل أفكارك في المجلة قدام.
– محمد: ما هو إحنا في البداية لما كنا لسه بنفكر في الموضوع وبنناقش الاحتمالات وإن الأرباح ممكن تتأخر على ما تظهر لأن لسه قدامك مراحل تعدي بيها بالمجلة عشان تتطور، هيثم كان متعصب من النقطة دي وأنا أقوله \”يا ابني الله يهديك\” ما هو هتفضل تجيب التكلفة الأول لأن أنت ماعندكش سياسة الأجانب في التعامل مع مشاريع كده، مصر مش زي ألمانيا مثلا.
(دخول مفاجئ من أحد أعضاء هذا اللقاء وهو أحد الفنانين المشاركين في مجلة جراج وهو الشاعر ضياء الرحمن):
– أيوه يا محمد بس أنت لو اللي هيجيلك كمستثمر شخص من الخليج، هيكون صعب تعمل اللي هيثم بيقول عليه لأنهم أصلا مش واصل عندهم الفن ده وأصلا مش كل القراءات عارفينها، يعني شفت خليجي مرة جاي المكتبة بيسأل عن روايات زي \”ساق المامبو،\” فأنا استغربت وسألته: هو حضرتك ماجبتهاش من عندك ليه؟ \”قالي إنها مش متاحة عندهم!\”
– معقبة: لا دي ممنوعة عندهم مش بس غير متاحة. عايزة اقولك إني كنت في معرض الكتاب (في إحدى الدول الخليجية) فلاقيت ركن دار الشروق، كل الـ best sellers معروض ماعدا \”الفيل الأزرق\”، فسألت الراجل قالي بمنتهى الاستغراب: ممنوعة يا آنسة هنا! دي تلاقيها في مصر ولا حاجة، إنما هنا لا! مع أن \”تراب الماس\” كانت موجودة. بس ده كان رد فعله! فإنت هتلاقي ثقافات كتير بتتمنع بدون مبرر ومش مسألة إنها ضد العادات أو النظام العام.
ضياء: لا هي مش واصلالهم المعاني والفنون دي، وبالتالي ده تعاملهم معاها.
هيثم: بس الأجانب غير كده، يعني إحنا بالنسبة للأجانب. أجانب، بس هما مهتمين بالدعم وبدون مقابل، عشان كده هتلاقي معهد زي جوتة والمركز الثقافي الفرنسي دعموا فكرتنا في إنشاء الـ cairo comics لما شافوا شغلنا السابق والسنة دي هنعمله وبمستوى يمكن أكبر كمان، والاهتمام ده من الأجانب هنلاقيه برة عندهم بقى عالي جدا بالرغم برضه من إنك أجنبية بالنسبة لهم. يعني لما سافرنا ألمانيا في المهرجان اللي فات كنا حاضرين ورشة للكوميكس واللي واقفة بتدير الورشة فنانة ليها تاريخها هناك وكانت فاتحة مجال المناقشة وبتشرح نظام الورشة هيمشي إزاي، قمت رافع إيدي باقترح فكرة ما على أساس اقولها وخلاص. لاقيتها أعجبت بالفكرة ورحبت بيها، دي كمان خلتني ادير الورشة واشرح اللي عندي وقعدت هي بكل خبرتها تسمعني وبانتباه. ده هناك!
– بس إحنا محتاجين نرجع لنقطة مهمة، أنا قررت من البداية إني أعديها عشان موضوع الأرباح ده كان يهمني أعرفه. بس هو أنا أصلا كنت باعمل تغطية لفن الكاريكاتير، بس انتوا بكل شغلكوا ومشاريعكوا متخصصين كوميكس، وأنا كجمهور مش عارفة افرق ما بين الكاريكاتير والكوميكس.
– محمد: الكوميكس قصة وحكاية كاملة خيالية أو واقعية بكذا رسمة. حدوتة كاملة يعني، إنما الكاريكاتير الفنان بيستعمل فيه رسمة واحدة في موضوع معين.
– هيثم: الكوميكس رسم وقراية، مش رسم بس ولا قراية بس.
– بس معنى كده إنك كفنان كوميكس محتاج مهارات تانية غير الرسم.
– هيثم: وده اللي خلانا نعمل ورشة حكي وكتابة قبل ما نصدر المجلة، فهتلاقي فنانين المجلة مش رسامين بس، هتلاقي شعراء زي ضياء مثلا واللي بيتعاونوا مع الرسامين عشان يخلقوا حكاية كاملة.
نظرا لأن هذا اللقاء كان غنيا بالتفاصيل والحكايات بل \”الدردشة\” في كافة العقبات والأوضاع التي لا تخص فن الكوميكس فحسب بل لامس النقاش حد الـ\”الفضفضة\” في مسألة حدود حرية الإبداع ومصادر هذا الإبداع، فبصفتي كاتبة هذه السطور تعمدت \”تناسي\” حضور شخص خامس في هذا اللقاء لأنه اكتفى بالتواجد في زاوية طاولة الحوار وقبعته الرمادية تغطي جبهته وهو منغمس طوال الحديث في كراسته ذات الأوراق البيضاء التي ما لبثت دقيقتين من الحوار إلا وامتلأت بتقسيمها إلى مربعات سوداء ملأتها عقب دقيقتين أخرتين رسومات بل تصاوير مختلفة لمشاهد تحاور أشخاص تتخذ طابع الهدوء والوضوح كحال مصممها.
الرسام محمد وهبة، عندما اخترق هدوءه في هذا اللقاء ليعلق على أساس الحكايات في \”جراج\”:
– امشي هنا في شارع 100 متر هتلاقي وتسمعي تفاصيل تجيبلك حواديت، لكن برة الشوارع نضيفة، ساكتة، مافيهاش تفاصيل.
– ضياء: بس الرسومات دي تصنف أنها شيك وشعري شبه الناس. فهنا كنا عايزين نعرف إزاي نوفق ما بين الاتنين!
(متابعا): كان في فكرة اسمها \”آرت اللواء\” وهي عبارة عن لوحات بيرسمها الفنانين على الحيطان في منطقة \”أرض اللواء\”، كانت وسيلة يقدم الفنانون بها رسوماتهم، يعرفوا الناس بالفن ده وبرضه يناقشوا موضوعاتهم، لكن الناس لما كانت بتشوف عيال بضفاير ولبس غريب عليهم كانوا بيرفضوا وبيمسحوا الرسومات دي، فبدأ الرسامين يرسموا كل شخص من أهل المنطقة على الحيطان وبالتالي كل شخص لما يشوف صورته بدأ يدافع عنها ويحميها، فانتشر الفن ده!
– طب ما ده عظيم قوي!
(تعتريه نظرة حماس واقتناع ويتابع): لما كتبت ديوان عربي مكسر، كنت عايز انزل ارسمه على الحيطان. بس فكرة الجرافيتي في الأساس كانت اتمنعت وقتها!
– محمد رأفت: ما هو عشان كده عملنا العدد زيرو اللي اتوزع في كذا مكان والفكرة وصلت.
– ضياء: بس هاقولك حاجة، إحنا كشعب بيفكر في إيه في الأساس؟ بيفكر في احتياجاته الأساسية اللي هي الأكل والشرب قبل حتى القراية. فأنت أساسا هنا هتكون محتاج دعم من الناس بحيث نقدر نوزعها في المترو ببلاش عشان تبقى متأكد إنهم هيقروا. الموضوع مش شهرة، طرق الشهرة كتير، بس الناس مستعدة تقرا أصلا؟
– طيب وهو ده مش دور الكوميكس؟
– محمد: فاكرة الفنانة الأوروبية اللي خلتنا نقدم الورشة وقعدت تسمعنا؟ الست دي فضلت تسمعنا بانتباه وكانت أكتر واحدة منتبهة بالرغم من إنها أقدم وخبرة أكبر. لكن المشكلة هنا إن الـ like بتخلي الشخص يحط رِجل على رجل!
– هيثم: محمد عايز يقول إن هنا بنهتم بالـ feedback أكتر من المنتج نفسه.
ووهبة متجاوب بنظرات الموافقة والتأمين ومنهمكا في رسوماته بشكل يدل على أنها الترجمة العملية لقناعاته بفن الكوميكس التي لخصها من خلال جملته السابقة الوافية والوحيدة في اللقاء.
– طيب خلينا نتكلم عن Cairo Comix Festival اللي هيتعمل كمان يومين، إيه الجديد؟
(ملاحظة: تم عمل هذا اللقاء في 25 سبتمبر 2016 قبل موعد المهرجان)
– هيثم: فكرة المهرجان السنة دي هتكون بعدد أكبر من الفنانين من برة مصر كمان، هيكون في سوق كتب، أخدنا قاعات للتجمعات الجماهيرية في الـ AUC، هيكون في فعاليات على السطوح عبارة عن مناقشات مفتوحة عن موضوع معين من مختلف الثقافات، هيكون في مسابقات ولجان تحكيم لأحسن مجلة وأحسن Graphic Novel، في جزء خاص اسمه \”الفنان يعمل\” وهو عبارة عن ورشة بيقدمها كذا فنان من ألمانيا ومن مصر هيقدمها \”أنديل\”، ومن ضمن فعاليات سوق الكتب اللي قلنا عليها هيبقى بيقدم فيه دور النشر من كذا دولة في العالم واصداراتها.
بعد تحية وسلام وشكر على هذا اللقاء لكل من هيثم، محمد، ضياء ووهبة وقبل رحيلي، طلبت من كل منهم التوقيع على نسختي من العدد الأول من \”جراج\” حيث اكتشفت أن توقيع فنان الكوميكس، وشاعر الشارع يختلف عن أي مؤلف أو أي فنان يطبع منتوجات فكره على أوراق، فاستغرق التوقيع عددا طيبا من الدقائق، لما يحمله كل توقيع من حكاية تؤرق صاحبها وقتها فهي كالآتي:
بعد هذا اللقاء استمريت بالمتابعة والبحث عن أعمال كل فنان منهم وصداها على حدة، فرسومات وهبة بل وحكاياته الصامتة الهادئة، وجدت لها الصيت والإعجاب عبر موقع الـ Facebook فهي لا تتخذ طابع السخرية البحتة، ولا الظلام القاتم ولا البهجة الزائفة، هي حالة تترجمها وفقا لانطباعك الخاص ولكن الهدوء الطيب والمعنى الأصيل لحكاياته تصلك حتما!
وعندما تابعت دواوين ضياء بل وحاولت الحصول على نسخة منها في جولتي على مختلف المكتبات ودور النشر في مصر، وجدت أنها نفذت من كافة الأفرع كديوان \”الصحبجية\” و\”عربي مكسر\”. وإن كنت من القراء المتابعين لحركة الكتاب في مصر ستجد أن هذين الديوانين من الكتب الأكثر مبيعا!
أما التوأمان فكان بداية صدى مشاركات الفنانين -المصريين منهم والعالميين – وأيضا المتابعين من الصحافة أو الجمهور العادي لفاعليات مهرجان الكوميكس وصل للمستوى الراقي الذي شارك في تغطيته مختلف المواقع الثقافية، ليست المتخصصة في رسوم الكوميكس والكاريكاتير فقط، بل الثقافية بشكل عام. وعن هذا المؤتمر فاز محمد وهيثم بجائزة (محمود كحيل) اللبنانية لعام 2016.
كما يشاركان بشكل مستمر في مختلف الورش الفنية ومهرجانات القصص المصورة في مختلف البلدان مثل برلين، باريس وأخيرا بيروت. ومن خلال جولتي في عدد كبير من المراكز الثقافية في القاهرة، أصبح من المعتاد على العين لمح تواجد مجلة \”جراج\” على أرفف مكتباتها. وإن دل هذا المشهد المتكرر على شيء فإنما يدل على نجاح التوأمين في تواجد ما يقدمانه من فن ومن مجهودات في سبيل تواجد هذا الفن على الساحة بين الأروقة والملتقيات الثقافية على أمل في تخطي المحطة الأخيرة وهي تحقيق الهدف الأساسي وهو الوصول للجمهور.
(بعض أعمال توينز كارتون)
فإن كان الهدف من وراء عمل هكذا لقاءات مع شباب مصري هو التعرف على مدى شغفهم فيما يمتهنون سواء من فنون أو مجالات أخرى، فإن السبب الألمع في نظري والذي دفعني لدعوة هؤلاء الشباب لهذا اللقاء هو مسألة تحقيق الفكرة وتحويلها لواقع بل وجزء من مجال تمتهنه وبالتالي تبدأ في الحديث عن نتائج مجهوداتك.
سر الاستمرارية والنجاح قد لخصها أحد التوأمان حينما قال: \”إحنا بنهتم بالـ Feedback مش بالمنتج\”، وعندما أوضح ضياء: كان عندنا زمان شغف بالناجحين والمبدعين اللي سبقونا بأجيال، بس إحنا جيل أيتام!
ونهاية، في تأكيد محمد على سر الإنتاجية عندما أضاف: فكرة الـ zero platform وهو أن طلوع المنتج الأول أهم من طلوعه بقوة ثم تطويره قدام!
فإن كنت عزيزي القارئ تعمل بسياسية مغايرة وأنت لازلت في نقطة الإنطلاق، فإنتاجية هؤلاء الشباب تستحق إعادة التفكير!