مي فرج تجري حوارا مع "أنديل": "بوحة".. أحد الأفلام الملهمة بالنسبة لي

حاورته: مي فرج

وقد تكون السطور الأولى متوقعة في هكذا مقال على هيئة اتخاذ النهج البشري المعتاد في \”ضخ\” الجرعة المكثفة من المديح لصالح من يحمل المقال اسمه، تحديدا بالنسبة لمتبعينه على الـ Facebook الذين يصفونه بالـ\”دماغ\”، \”العميق\”، \”المتقوقع في ذاته\” وغيرها من المسميات التي تترك انطباعا عن وجود أسلاك شائكة حول سهول انتباه عقلية هذا الشاب!
ولكن المهمة الجانبية للترحال تفرز في محيط عملك في اتجاه فكرة ما المزيد من الإختلافات في خطتك والتي في النهاية تكون بمثابة تعديلات وتهذيبات في فكرتك بداءة، فمنذ يناير من عام 2016 جبت بشخصي القاهرة ومحافظاتها بحثا وشغفا في لقاء من وصفهم رئيس الوضع الحالي مستهلا دوره بطلب: لو مانتش قادر على إنك أنت تتصدى لمشاكل الأمة دي وتنجزها بأفككااااار مش إمكانيات بس.

ساعية وراء العثور على نماذج مستغلة إمكانياتها التي تترجمها العين المجردة وتصفها منتجات إمكانات هكذا نماذج دون حتى الاعتماد على فرص تعليمية من الدولة أو حتى برنامج رئاسي تأهيلي.

في رحلتي التي استغرقت إثنى عشر شهرا متصلة التي جعلت عملية البحث خاصتها تقترن بمعيار الفرصة المنعدمة، البداية بغرض الاستمرارية مع حائط الاختلاف الذي يصل صلبا كلما عاد النموذج إلى المعيار الأول وفقد الثاني باختلاف الأسباب!
وفي رحلتي تلك تعرضت شخصيا إلى المعيار الثاني. عندما عجزت لفترة عن الوصول للمزيد من النماذج المختلفة حقا والساعية باستمرارية في سبيل إيصال رسالة سواء مباشرة أو حتى على سبيل التغيير بنية إيجابية وطنية، الأمر الذي وضعني في الموقف البشري حينما يقرر الساعي البشري أن يضّيق المهمة ويجعل قناة البحث أكثر ضيقا على سبيل التسهيل والاسترخاء أيضا من ضغوطات الوصول للنتيجة الأكثر إثمارا، فطفت القاهرة بحثا عن الفنون والأفكار الأجدد قدوما والأقوى استحداثا على الساحة الشبابية عموما وليست الفنية المجردة أو الثقافية غير محددة الملامح!

ومن أكثر تلك المستحدثات هو فن الكاريكاتير الذي برز بشكل ساخر في خضم الثورة على جدران الميادين المصرية محتلا المرتبة الثانية بعد الجرافيتي وقتها، فن الكاريكاتير الذي وجد إقبالا من متابعيه بشكل يصفه تباعا بالذكاء لقدرته على التواجد بل والاستمرار في الظهور في الثقافة المصرية \”مسايرا\” التقلبات والعوائق السياسية المستمرة بخلاف الفنون الساخرة الأخرى كبرامج النقد السياسي الساخرة التي أخذت في الاختفاء! وأصبح التعرف على هذا الفن وتطوراته أمرا محفزا.
قد يكون هذا هو السبب الأساسي وراء التواصل مع \”أنديل\” كأحد أولى الأسماء التي يوصى بها إليك إذا أردت التعرف عن الممتهنين لهكذا فن بنكهته الثورية (باللغة الإعلامية)، لكن ما يجمع بينه أنديل من مهارة الرسم الكاريكاتيري وبين الكتابة الصحفية بل وأيضا القراءات الساخرة لبعض الأوضاع من خلال البرنامج الإذاعي (راضيو كفر الشيخ) قد يصيبك بصعوبة التواصل \”والأخذ والعطاء\” في حوار مع هكذا شخصية، ولكن عنوان هذا المقال لم يكن مهمتي مع التركيز على الجانب الشخصي لأنديل باعتبار أن هذا الفن هو وسيلة تعبيرية عن آراء ثقافية شخصية، بمعنى آخر كنت أتصور \”الكاريكاتير قبل وبعد الثورة بقلم فنانيه\” عنوانا للمقال، ولكن كما قلنا مهمة الترحال تفرز تعديلات على مخططاتك عندما استهللت الحوار بـ:


– تعريف فن الكاريكاتير بحسب بحث صغير على الإنترنت، هو وسيلة رسم بيتم فيها تضخيم ملامح شخصية معينة وغالبا مشهورة بغرض ما، فعلا؟

أنديل: صحيح هو أساسا ظهر في عصور النهضة زمان، كان الرسامين بيقوموا برسم الحكام والشخصيات السياسية بشكل يعظم في بعض الصفات الشكلية ليهم كوسيلة مديح ليهم وتفخيم لهم فكان الكاريكاتير يعتمد على النوع ده من المدح، ولو تابعنا ظهوره لفترة أبعد هنلاقي إنه كان فن مشهور في عصر الفراعنة كمان.
– طيب، تيد هاريزون قال إن: فن الكاريكاتير يمكن أن يستخدم للمتعة أو لعمل رأي جاد في مسألة اجتماعية أو سياسية، أنت شايف إن الكلام ده حقيقي أو حتى إيه دور الكاريكاتير أساسا؟
أنديل: أنا بارفض فكرة التركيز على كون الشيء له وظيفة معينة في حياة الناس، ليه؟ ليه لازم نخلي الشيء متخصص فقط في مهمة ووظيفة معينة ودور معين وإنه لازم نعلم الناس نصيحة ودروس معينة أو حتى فكرة التوجيه لهم!
ومنه ضرب أنديل أمثلة تطبيقية على فكرة التوظيف والقوالب التي يتم التمسك بها على اعتقادات متمثلة في توعية الناس أو حتى إيصال رسائل إنسانية أو وطنية أو كفاحية عظيمة، عندما أكد على أن \”شغلي بسد فراغ ما\”، متابعا: \”أنا عايز طول الوقت ارسم وارسم كتير\”، مؤكدا على أن هدفه لا يكمن في انتشار الفن الكاريكاتيري أو اتساع جماهيريته برغبة الفنان الممتهن، تحديدا عندما أثرت لاحقا لفظ \”امتهان\”، كان رده متمثلا في أن الكاريكاتير أو الرسم أو \”الفن عموما مش وظيفة\”، متابعا: \”الفن عايز حرية ومحتاج جدا إننا نبعد عن التصنيف\”، الأمر الذي يزداد وضوحا عندما قررت في حواري أن استعدي سؤالي قبل الختامي في منتصف النقاش متساءلة: أنت بدأت رسم من إمتى وإمتى قررت تركز على فن الكاريكاتير؟

أنديل: موضوع الرسم كان من وأنا طفل. كنت بارسم المدرسين، بارسم والدي، وبدأت في الكاريكاتير كمتعلم أولا، من أول ما اشتغلت من وأنا 17 سنة في جريدة الدستور.


– طيب هل مسألة ممارستك لشيء أنت بتحبه، ووفقا لكلامك شيء أنت رافض له أي تصنيف وتقييد بشكل يقلل من جودة منتجاته، يعني يؤذيه مش يفيده، من خلال مؤسسة صحفية اللي هي وسيلة وصول رسوماتك للجمهور واللي طبعا كغيرها ليها سقف وسياسات مابيكونش شيء مقيد بالنسبة لك؟
أنديل: أكيد طبعا لما بتشتغلي من خلال جريدة أو مؤسسة ما بيكون في سقف وده موجود في أي مكان، لكن اللي بارسمه كان ممكن يواجه صعوبات في البداية على اعتبار إني كنت تحت مظلة أشخاص باتعلم منهم، فممكن تلاقي توجيهات وتعليقات تعليمية خاصة برسمي اللي مع الوقت والممارسة بتقرر تتمسك بيها أو تجود عليها، على اعتبار إنك بتحدد منهجك. الموضوع بقى أسهل وأبسط، أنت ممكن دلوقتي توصل للناس من خلال النت والـ Facebook سهّل ده، استخدامي للـ Facebook سهل عليا الوصول لأصوات تانية.
– لكن بخصوص موضوع التعلم والبدايات. أنا شخصيا باشوف أحيانا رسومات بألوانها وأسلوب رسم شخصياتها بأتوقع أن الإمضاء في الزاوية هيكون أنديل لغاية ما اتفاجيء إنه لأشخاص تانية خالص، ده مابيضايقاكش؟
أنديل: وفيها إيه؟! ما هو بيستعمل نفس الألوان نفس الأسلوب نفس أي حاجة، الفكرة إنه حر يوصل رسالته بالطريقة اللي شايفها هو مناسبة ومش معنى كده إنه بيقلد، وارد جدا يكون فيه تشابه وتشابه كبير. بتحصل.
متابعا: يعني في مرة قعدت على رسمة وتعبت جدا في تفاصيلها، يعني فعلا بذلت فيها مجهود ونزلتها على الـ Facebook وبعدها بشوية كارتونيست تاني نزل رسمة بسيطة جدا بدون شغل كتير زي اللي أنا عملته، لاقيت الـ Feedback على رسمته أعلى بكتير جدا وفعلا كان ليها صدى قوي (ضاحكا) وقتها نوعا ما اتضايقت إني بذلت مجهود وحطيت تفاصيل في الرسمة وماكانش عليها رد فعل قوي، فده وارد إن الأساليب تختلف أو تتشابه، والعبرة باللي أنت بتطلعه، يعني كاريكاتير The Newyorker بيعتمد على اللون الأسود بس بدون تفاصيل وألوان، لكنه كاريكاتير له وجوده!


ففي هذا السياق ظل أنديل محتفظا طوال الحوار بتمسكه، بل احترامه لرفض فكرة وضع قيود لا جدوى لها، مترجما بذلك مفهومه عن الحرية تحديدا في رفض امتداد دور الفرد بأن يبدأ في التغيير في حياة الناس بالمعنى التقييدي أو السلبي، فهو طوال النقاش كان معبرا عن أمثلة على المستوى الفني والثقافي والاجتماعي المبتعدة عن المسلمات التي فرضها البشر، الأمر الذي ظهر في أبسط أمثلته عندما وضح ومضة قائلا:
\”أنا مثلا أحد الأفلام الملهمة بالنسبة لي فيلم بوحة\”!
(مبتسما): أيوة يعني نتخيل واحد جاي من الأرياف بعيد عن المدينة الصاخبة الضخمة جدا في رحلة بحث عن حياته بقى أو حقه، وهو مش عارف إيه بالظبط اللي هيشوفه وبيتفاجيء طول الوقت ومطلوب منه إنه يتعايش مع ده.
بس المجتمع المصري مابيفكرش في الأعمال اللي من النوعية دي من النظرة دي، ده حتى السبكي مابصش للفيلم وهو بينتجه على إنه سيناريو يطلع منه معنى زي ده. فمش شايف إننا محتاجين نضيف للناس والجمهور الثقافة التحليلية دي للي بيتعرض عليهم من مواد؟
أنديل: مسألة تغيير ثقافة الشعوب أنا شايف إنه ماينفعش نفكر فيه كمشروع قومي. فكرة الوجود والتواجد مع اللي حواليك دي أصلا معقدة.

طيب في شخصيات كتير جدا في مساعيها لتطوير المجال اللي بتمتهنه، بتشوف إن أحد الوسائل لتحقيق ده إنها تدشن مبادرات أو ورش لتعليم المهارة أو الفن اللي بيقدموه، هل أنت شايف إن الكاريكاتير باعتباره فن مستحدث وتم تحديثه كمان مؤخرا، وكشخص مستقر شغفا عليه إنك ممكن تعمل خطوة زي دي؟
أنديل: مش حاسس بفكرة \”تسليم الراية\” من بعدي وهكذا، لكن أنا حابب أرسم وأفضل أرسم واطور منه، مجرد إنك تعبر عن فكرة وتمارس حريتك كفنان ده المهم. ماعرفش قدام ممكن يحصل إيه أو فكرتي هتوصل لإيه، بس حاليا إنا حابب أفضل أرسم.

تلك الكلمات الأخيرة استدعتني لتغيير صياغة تساؤلي الأخير حول خططه المستقبلية وتدرج طموحه، فاستدعيت الحديث عن الماضي بـ:
في الـ Bio الخاص بك على موقع مدى مصر، كان في قصة غريبة جدا عن جدك. (مقاطعة لضحك أنديل) وفي حاجات ببترمي في المية.. إيه ده؟
أنديل: والله أنا الحكاية اتحكت لي وأنا طفل ولغاية وقت قريب جدا كنت فاكر إنها حقيقة، حتى مراتي هي اللي كتبتها على الموقع!
(القصة لمن لم يقرأها هي لمخرج قام بصناعة أحد الأفلام المصرية التي بسببها شارك في أحد مهرجانات الأفلام العالمية وبذل كل المسافة الجغرافية بحماس للمشاركة ولكن فيلمه لم يتلق التكريم، والذي حاز عليه فيلم آخر بسبب بعض المعايير التمييزية والعنصرية، وفي طريق عودة المخرج من المهرجان عبر المياه وبسبب إحساسه بالظلم في مواجهة تلك العقلية، قام برمي أسطوانة الفيلم في مياه المحيط واعتزل الفن. وكانت تلك النسخة الوحيدة للفيلم، هذا المخرج هو جد أنديل، وهي القصة التي أخبره بها عمه)
أنديل متابعا: وأنا طفل كنت متأثر بالقصة دي ومصدقها جدا بدون أي شك لأنه شخصية أنا أتوقع ده منه جدا وهو اسمه \”يوسف\” كمان. فحتى أثرت فيا كطفل إني عايز أكمل وأكون شيء كبير في يوم، أنا فاكر قعدة مهمة جدا زمان في كفر الشيخ كنت مع أحد أصدقائي على قهوة بيقول إنه عايز يطلع كذا وكذا، فلما سألني، قلت له عايز أبقى زي صلاح جاهين! وقتها كانت القامة أو المكانة هي اللي فارقة معايا ومنبهر بيها بغض النظر عن المجال. وقتها صديقي كان رأيه إنه \”إيه يا عم؟! صلاح جاهين مين بس؟!\”، فالموضوع قلب معايا بعند ويمكن من هنا كان أحد أسباب إني اشتغلت من سن صغير، مع الرغبة في التخلص من أي سلطة، متجها للقاهرة وأنا مش معتمد على فلوس أهل ولا مشروع عيلة اشتغل فيه أو امتهنه. لكن أنا فاكر قعدة القهوة دي كويس!
– شكرا أنديل.
– شكرا ليكي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top