مي سعيد تكتب: ملائكة الأرض

يقول أفلاطون: \”كن لطيفًا، لأن كل شخص تقابله يقاتل بشراسة فى معركة ما\”

لا أظن أن هناك قاعدة أبسط من هذه للتعامل مع الآخر، ليس عليك أن تتوقع أية تفاصيل على الإطلاق عن تلك المعارك التى يخوضها غيرك كل يوم والتى تنمو بداخلنا أو تخفت كمصابيح لا ينقطع عنها الزيت أبدًا وهى لا تخلد للنوم ولا تنطفئ، تبقى مشتعلة داخل كل واحد منا، تتساقط قسوتها قطرات تنفلت من صنبور الحياة المالح ثم تتلألأ فتشكلنا من الداخل وتنحت صفاتنا التى رتبتها السنين والتجارب، بعد أن تركت ألمها بقعًا شاردة على أكتافنا لا يراها الآخرون، وحدنا نعلم بوجودها ونشعر بثقلها، نخوض ما يكفينا كل يوم من معارك ولا ينقصنا المزيد منها لمجرد أننا لا نعجب أحدهم فقرر أن يجعل منا واحدة من معاركه، لمجرد أننا قمنا بفعل لا يروقه ولا يوافق هواه ولا ينحاز لمسلماته ولا يتكئ على ذات العقيدة التى تتكئ أفكاره عليها، مثل هذه المراهقة الإنسانية تزيد العالم قبحًا، ولا أظنه يحتاج مزيدًا من القبح والخسة، فلديه منها ما يكفينا ويكفى أجيال كثيرة قادمة.

منذ بضعة أيام صادفت مقالا باللغة الإنجليزية يتحدث عن نوع من الناس أسماهم المقال \”ملائكة الأرض\” أو\” البشر المضيئة\” يتحدث المقال عن هؤلاء الذين جاءوا إلى الأرض لنشر النور والدهشة، أيًا كان مصدر هذا النور: فن، موسيقى، علم، بهجة، ابتسامة.. كل ما يمكننا تخيله من مذاقات الحياة المختلفة والتى قد يعيش كثيرون منا دون أن يحاولوا الاقتراب من بعضها ودون أن يسعدهم حظهم بأن يجدوا أحد \”ملائكة الأرض\” كى تدلهم على الطريق، كان أكثر ما لفت نظرى فى هذا المقال الذي يصف \”ملائكة الأرض\” هو تعبير غاية فى الروعة، عندما وقع ناظرى عليه أدركت على الفور من هم هؤلاء الملائكة حولى وعرفتهم جميعًا، بل وشعرت بالامتنان لأننى قد صادفتهم فى يوم من الأيام، فقد وصفهم المقال بأنهم هؤلاء البشر الذين لا يتحملون البقاء فى صراع ولا يطيقون الكراهية والرفض من المحيطين بهم ويستبدلون كل هذه المعانى بأخرى من الحب والرضا وتجنب الصراعات وتجاهل من يحاولون افتعالها دون النظر إلى الخلف ودون الحاجة لإصلاح هؤلاء الذين يقتاتون على الصراع ورفض الآخر، فهم يدركون بالرغم من أنهم قد خلقوا لينيروا الطريق، لكنهم فى الوقت ذاته ليسوا سحرة ولن يتمكنوا من تغيير العالم ولا تغيير هؤلاء من محبى الصراعات وكارهى الحياة، لأن هؤلاء دائمًا ما يقفون على الجانب الآخر منهم وعادة ما يكون الوصول إليهم لا يستحق عناء المحاولة ولن يرضوا أبدًا ولن يفهموا أيًا مما يقوم هؤلاء الملائكة بفعله إلا لو أرادوا هم ذلك دون إملاءات، هؤلاء الملائكة يثقون فى أصواتهم الداخلية ويتبعون حدسهم ولا يتوقف بداخلهم حب الحياة، مهما زادت قسوتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top