\”خليك حسيس\”.. تتكرر هذه العبارة في أذهاننا في مواقف مختلفة ومع أشخاص كثيرين، ولكن غالبا ما نخجل من أن نقولها صريحة، لأن للأسف هذه الصفة لا يتعلمها الشخص في الكبر ولا يمكن أن تُغرس فيه بالطلب!
فلنتفق في البداية على معنى وصف \”حسيس\”، فـ\”الحساسة\” هي أن تفعل ما يريده منك الشخص الذي أمامك من دون أن يضطر أن يطلبه بشكل مباشر، فإن كنت تستطيع أن \”تلقطها لوحدك\” وتفعل ما يتمناه، أو أن تتوقف عن فعل ما يتمنى هو أن تتوقف عنه بسرعة وذكاء، فأنت هكذا (شخص حسيس)، ولكن دعونا نعترف أنه لا يوجد للأسف شخص حسيس في كل المواقف ولا مع كل الناس.
حسيس في الماديات:
أولى مظاهر هذا النوع، ألا تستغل فرصة العزومة بأي شكل من الأشكال، حتى لو كانت هذه الفرصة مجرد عزومة في قهوة، فالأفضل أن تختار أرخص مشروب تقدمه تلك القهوة طالما هناك شخص آخر تطوع بأن يدفع هو، ولا \”تشطح\” بخيالك لطلبات مكلفة، فأنت لا تعرف كم المبلغ الذي بجيب صديقك.
وأهم من موقف العزومة هو موقف الدَيْن، فكثير منّا يقوموا باقتراض مبالغ من أحد الأقارب أو الأصدقاء ولا يردها إلا بعد مطالبة، قد تصل لحد الإلحاح، مما ينم عن قلة ذوق وعدم تقدير، فالحساسة هنا هي أن ترد المبلغ فور توافره معك دون أن تضطر صاحبه لمطالبتك به، لأنه يكفي كرمه في أنه قد وافق على \”التسليف\” من الأساس، في زمن رافع شعار \”الشكك ممنوع\” طوال الوقت.
الحساسة.. يعني ما تتحشرش:
من أهم مظاهر الحساسة ألا تتعمد الاستمرار في موضوع حاول محدثك الهروب من الحديث فيه، فكثيرا ما نستمع إلى سؤال من عينة \”والمدام عاملة ايه دلوقتي؟\”، أو \”المشكلة بتاعتك خلصت ولا إيه؟\”، فيأتي الرد مقتضبا: \”الحمد لله\”، ولكن يصر صاحب السؤال على حشر نفسه لمعرفة تفاصيل واضح أن صاحبها لا يريد أن يستعرضها، لتتوالى مظاهر التلامة في عبارات: \”ما تحكي يا جدع، والنبي لتقول، أيوة يعني اتحلت ازاي؟\”.
ناهيك عن عبارات أخرى تعتبر فضولية أكثر من الأولى وتتكرر في كل مناسبة، وهو ما يجعلها تخرج من نطاق المجاملة إلى قلة الذوق، ومنها \”مفيش حاجة جاية في السكة؟، \”السنة الجاية العزومة في بيتك\”، \”مش حنفرح بيك بقى؟\”، غالبا الأقارب يحتاجون لتكرار تلك العبارات حتى يصل الشاب والفتاة لسن الخمسين، كي يتخذوا وقتها فقط قرارا بعدم ترديدها لأنها يبدو -والله أعلم- أصبحت تضايق!
علما بأن الشباب ليسوا فقط المتضررين من تلك الحشرية، بل كذلك المراهقين والأطفال، فإن كنت تريد أن تساعد طالبا في الحصول على نتيجته، يكفك أن تعرض خدمتك مرة واحدة فقط بعبارة \”لو حبيت اجيبلك النتيجة ابقى اديني رقم جلوسك\”، وتكون شاكرا جدا عند هذا الحد، أما الإصرار والحلفان بحياة العايشين والميتين أنك (لازمن ولابد) تبشره بنتيجته بنفسك رغم وضوح عدم ترحيب صاحب الشأن بذلك، فهذا أقوى مظاهر الحشرية وقلة الحساسة.
احترام مشاعر الآخرين:
\”الحساسة\” هي أن تحترم مشاعر الآخرين مهما كلفك هذا من تحجيم لمشاعرك وردود أفعالك، ومنها ألا تتبادل صورا وتعليقات مع أصدقائك مثلا حول آخر خروجة أو رحلة سفر لكم، وأنت تعلم أن أحد أصدقائك يعيش حالة حزن بسبب وفاة والده مثلا، أو بسبب رسوبه في الامتحان، فمجرد مراقبته لأصدقائه السعداء في ظل أزمته يجعله لا ينسى هذا الموقف أبدا.
وبالمثل، أرى أنه ليس من المفروض أن نتحدث عن مزايا ننعم بها رغم علمنا أن من نحدثه محروم منها، ويقع تحت هذا البند العمل الجيد، والدخل المادي، الزواج والإنجاب، وعدم الإسهاب في الحديث عن تلك المزايا من المفترض ألا يأتي بدافع الخوف من الحسد كما يفعل البعض، ولكن من الأفضل أن يكون نابعا في الأساس من تقدير مشاعر الآخرين.
تمييز المواعيد:
أصبح كثير منّا بزعم ضغط العمل ورغبته في حل المشكلة التي تخصه، لا يميز الوقت الذي يتصل به بأحد زملائه أو مرؤوسيه، فهناك مواعيد مقدسة للراحة يفضل ألا نخترقها إلا في الضرورة القصوى، وتبدأ من الرابعة حتى الساسة مساءً، لأنها غالبا تكون فترة غداء ونوم لأي شخص عامل، والذي يكره جدا أن يفسدها عليه أحد أيا كان السبب، هذا بالإضافة إلى مكالمات ما بعد الثانية عشر مساءً، فهذا موعد محرم على مواعيد العمل ولا يستثنى منه إلا مكالمات الصديق الذي تعلم يقينا أنه مستيقظ، أو مطعم يقدم وجبات \”الدليفري\” 24 ساعة.
وبالنسبة للمتزوجين حديثا، فهناك قائمة من محظورات الاتصال والزيارة نخترقها جميعا رغم أنه متعارف عليها، فيفضل عدم الاتصال بالعرسان إلا لو ظهروا هم أولا عن طريق \”الفيس بوك\” مثلا، ولا نقوم بزيارتهم في منزلهم الجديد إلا إن فتحوا هم باب الدعوة لذلك، مع الحرص ألا تكون الزيارة مطولة، وهو نفس المبدأ المتبع في زيارة المريض، وبشكل عام يمكنك قياس مدة صلاحية الزيارة بتوقف الحديث بها، فأينما كنت وأيا ما كان من تزوره، وقتما تجد أن سير الحديث قد انقطع فاعتبرها علامة كافية على وجوب إنهاء الزيارة عند هذ الحد.