\”لازم يا ابنى تتعلم إزاي تحوش حاجة من مرتبك كل شهر\”.. هذه العبارة لابد وأن يسمعها أي شاب أو خريج ربنا كرمه ووجد عملت أيا كانت طبيعته، ولا أعلم من أين يأتي الآباء بهذا الأمل الخادع من أنه يمكن ادخار جنيه واحد من مرتب في الأساس يدفعك للتبرع لصاحبه بالصدقة.
أسعار السلع الغذائية تزيد، فتزيد أسعار المطاعم ومحلات الوجبات السريعة، يزيد سعر الدولار فتزيد أسعار الملابس المستوردة وتزيد أسعار الملابس المحلية (مع الهوجة برضه)، يزيد سعر الوقود فتزيد أجرة التاكسي والميكروباص وحتى التوك توك، أسعار أي شيء تحتاجه تزيد والمرتب –غير العادل من البداية- ثابت كما هو، وفي النهاية تندهش من سؤال \”أنت مش بتحوش من مرتبك ليه؟\”
في تجربة بائسة، حاول معي أن تتخيل أوجه الصرف المعتادة لأي شاب تحت الـ30 خلال الشهر لتتضح الرؤية، لو افترضنا أنه يركب المترو فقط للوصول لعمله يوميا، فهذا يعني أنه يصرف 52 جنيها في الشهر مقسمين على 26 يوم عمل، وبما أن لا يوجد عمل في قطاع خاص يقل عن 8 ساعات، فهذا يعني أن كل شخص لابد وأن يتناول طعامه مرتين يوميا، واحدة وقت الظهيرة والثانية وقت المغرب وبالطبع لا حل إلا الدليفري أو طلبات الساندوتشات الجماعية.
وكي أكون رؤوفة بالوضع، سأفترض أن كل شاب لا يتناول إلا 4 ساندوتشات فقط كل يوم (فول أو فلافل على اعتبار أنهم الأرخص) بقيمة 4 جنيهات مضروبة في الـ 26 يومًا، ليساوي بند الطعام بذلك 104 جنيهًا، مع احتساب قيمة كوب شاي واحد على أفقر قهوة في البلد بـ 3 جنيه، فيصل المجموع إلى 80 جنيهًا في الشهر، وهو ما يعني أن كل شخص مطالب بدفع 240 جنيه فقط لباب المواصلات والأكل والشاي خلال ساعات العمل.
يأتي بعد ذلك بند فاتورة التليفون، وما أدراك ما فاتورة التليفون، فلو كنت من هؤلاء المعتمدين على الشحن المتكرر، فلابد أنك لن تصرف أقل من 50 جنيها شهريا، أما إن كنت من المشتركين في نظام دقائق فستدفع 43 جنيها فقط (مع افتراض أنك غير مشترك في باقة للإنترنت)، ولكن هذا لن ينفي أن هناك فاتورة أخرى للإنترنت في المنزل، عادة ما يعايرك بها أهلك بأنك المستفيد الوحيد من وجوده وبأنك بقيت راجل -وفي وشك شنب- ولابد أن تتكفل أنت بمصاريف تلك الخدمة طالما أنت المستفيد منها، لتصرف 80 جنيها أخرى (على أقل تقدير)، ليرتفع بذلك مجموع فاتورة التليفون والإنترنت إلى 130 جنيهًا.
مشوار الحلاق لا غنى عنه شهريا وهو يتكلف 10 جنيهات في حال إن كنت ستقوم بقص شعرك فقط، ناهيك عن سعر مكن الحلاقة الذي لابد أن تشتريه دوريا هو ومزيل العرق.
حزامك داب؟ ابحث عن جديد بسعر يتراوح ما بين 30: 100 جنيه.
لا داعي للحديث عن أسعار الملابس بما فيها المحلية التي أصبحت الفئة المالية الدارجة فيها هي فئة المائة جنيه أو المائتين في حال إن كنت وارث وقررت تشتري بنطلون أو حذاء! ولا داعي للحديث عن مصاريف كوافير البنات أو مكياجها أو حقائبها، لأن ذلك كافٍ لطلب مرتبين فوق المرتب أصلا!
ويبقى السؤال الإعجازي بعد كل هذا: كيف للشاب أو الفتاة أن يقوموا بإدخار أي مبلغ كان من مرتب لا يتعدى الـ 800 جنيه من الأساس، إذا كانوا سيضطرون لدفع تلك المبالغ في المواصلات والطعام -الذي تعمدت أن أستعرض أرخص أرخص أسعاره- بشكل شهري؟ كيف للفتاة أن تدخر مبلغا لجهازها أو يدخر الشاب مبلغًا لشراء شبكة أو مهر أو فتح بيت، في الوقت الذي يرسم فيه دراسة جدوى لأوجه صرفه، كي لا يضطر لإكمال الشهر على حساب جيب أبيه؟
وكيف للشباب أن يسكنوا حتى في شقق بنظام الإيجار الجديد الذي يتكلف من ٨٠٠ إلى ١٥٠٠ جنيه شهريا، طالما المرتب نفسه أقل من الألف جنيه؟! خاصة أن هذا يأتي في الوقت الذي يعيش فيه أصحاب الأعمال في كوكب آخر لا يعلم شيئا عن الأسعار على كوكبنا! فتجد صاحب محل ملابس يعرض على عاملاته العمل 9 ساعات براتب 700 جنيه، وآخر مديرًا لمكتبة يعرض 700 جنيه للعمل 8 ساعات يوميًا، بخلاف نسب العمولات التعجيزية التي يفرضها أصحاب شركات التسويق لمندوبيهم لتشجيعهم على بيع المنتجات لأكبر عدد ممكن، لتجد أن الشخص لا يستطيع تحقيق صافي ربح 1000 جنيه كاملة، رغم عمله 10 ساعات متواصلة يوميا يدفع نصهم في المواصلات والطعام فقط، ليخصص لنفسه مكافأة شهرية في حال إن استطاع تحويش 100 جنيه كاملة يقوم بصرفها على خروجة مع أصدقائه، فهي في جميع الحالات لن تفرق معه في شيء.