مي العمروسي تكتب: عندما يكون الجنس تهمة

ضلع مكسور كناية عن أنثى مكسورة.

عزيزي القارئ.. هل تفضل الضلع مكسورا أم سويا؟!

إن كنت ممن يفضلونه مكسورا، فلن يزيدك ما ستقرأه سوى مقتا!

أما إن كنت ممن يفضلونه سويا، فرجاء اتبع عقلك.

ربما سمعنا كثيرا تلك المقولة التي تقول:

\”اكسر للبنت ضلع يطلعلها 24 !\”، في محاولة لزرع العقول منذ الصغر بأن الأنثى دائما وأبدا ستظل كائنا تابعا ذا ضلع أعوج، علينا تقويمه أو كسره! فما زال هناك من يتبع المبدأ ذاته! فإن البنت إذا فكرت, اعترضت, أو حاولت إبداء آرائها، ضُربت وركلت حتى تُكسر أضلعها كما أرادوا, حتى إذا فكرت بالنطق ثانية، آلمتها ضلوعها، فبلعت ما بداخلها قبل أن تلفظه! تماما كـ قصقصة ريش الحمام كي يمنعوه عن التحليق, فيبقى أرضا ينظر لجناحيه المغتصبين في حسرة.

منذ أن كانت طفلة تمارس ضدها العنصرية بشكل مباشر أو غير مباشر, بداية من مداعبة أحد أفراد الأسرة للعضو الذكري لأخيها الصغير, وتفاخرهم به من باب الدعابة، دون الشعور بأنهم يزرعون فكرة بعقل الطفل أن عضوه الذكري مصدرا للفخر! ومن ثم يتهامسون ويضحكون عندما يضع يده الصغيرة بسرواله، معللين ذلك أنها محاولة من الصغير لاكتشاف أعضائه، مرورا بتعنيف الأنثى في طفولتها ونهيها عن فقط محاولة التقرب إلى أعضائها التناسلية، معللين ذلك بالكلمة المشهورة التي يعلمها الجميع \”عيب\”، وكأن العيب لحق بالأنثى فقط، وارتبط بها منذ أن كان لها وجود! وكأنه ليس من حقها اكتشاف أعضائها كما عُلل للذكر!

ولا ننسى ذلك العقاب الذي كان يلحقه المدرسون بالتلميذ المخطئ، فيجلسونه جانب زميلاته من الفتيات كنوع من العقاب، فما كان العقاب إلا لها بأن تُجعل عقاب مهين كهذا, فيترسخ في العقول الصغيرة أن الجنس الأنثوي ما هو إلا عيبا أو عقابا يلحق بنا!

يتفاقم الأمر بعد ذلك في مرحلة البلوغ.

فعندما يبلغ الولد يشاركه الجميع بلوغه جهرا, يتفاخر به الجميع ويفرحون بالخشونة التي طرأت على نبرة صوته، والشعيرات الصغيرة المتناثرة فوق ذقنه وفمه، لكن الأنثى تبلغ سرا.. تحيض وتنزف دماءها، فيخبرونها أن عليها أن تمتنع عن اللعب, الضحك, مخالطة أبناء الجيران (الأولاد), وأن تكف عن النظر إلى جسدها في المرآة وهو يتشكل! وأنها صارت كبيرة بما يكفي كي يُعدونها لتصبح أما, وكأن الأنثى خلقت لتحمل وتلد وتوكن أما فقط لا غير!

ليس من باب التقليل من غريزة الأمومة, الأمومة غريزة تتوق إليها كل الفتيات, لكنه من باب الحق في أن يكون لها كيان!

فمنذ ذلك الوقت أصبح لدينا كلمة \”عيب\” التي لحقت بالأنثى، فنشأ الذكر يلحقها بها ويورثها للأجيال من بعده يورثونها للأجيال من بعدهم وهكذا, فإن عضوها الأنثوي عيب وعضوه الذكري فخر! وأن علامات بلوغها عيب وعلامات بلوغه فخر أيضا!

يتفاقم الأمر بصورة أكبر، فحُصرت المرأة في دور الزوجة والأم، وحرم عليها المجتمع الخوض في مجالات عمل كثيرة لم تدخلها سوى منذ زمن قريب.

كثيرا من الأفعال الخاطئة أو المحرمة التي حللها المجتمع للرجل وحرمها على المرأة بعيدا تماما عن نطاق الدين, ربما في محاولة لصنع دين جديد محرف غير ذلك الذي أنزله الله علينا!

سمح المجتمع للرجل بممارسة فعل الزنا تحت المبررات المعتادة \”نزوة وهاتعدى\”، وإذا وقعت المرأة في فعل الزنا نعتوها بالعاهرة وأحلوا قتلها،

فمنذ العصور القديمة ألحقوا مصطلح العار بالأنثى! وكأن العار لا ينشأ عن ممارسة الأفعال الفاضحة ككل، وإنما ينشأ عن ممارسة الأنثى له ممارسة فردية!

يلي ذلك عادة التدخين, ورغم أنها عادة خاطئة وسيئة باتفاق المعظم، إلا أنها خصت بالذكر وباتت علامة على رجولته في نظر المجتمع، فيلجأ لتدخينها بمجرد بلوغه كي يقول \”أصبحت رجلا\”، وإذا وقعت الأنثى أسيرة لتلك العادة الخاطئة، نعتوها بالعاهرة وعلقوا لها المشانق على أبواب أعينهم وأفواههم.

الضحك, الغناء, التفكير, الرأي, والطموح.. كلها حُرمت على المرأة وبث مكانها طوال الوقت أنها خلقت وأعدت لتكون بانتظار زوجها \”عدلها\”، وأن عليها أن تكون دائما هادئة ومطيعة وغير ثرثارة وغير مجادلة وغير مفكرة وغير حالمة.. يتم وأد كل أحلامها, فعندما تجتاز دورة علمية جديدة، يبتسمون لها، ثم يقولون إن كل هذا ليس مهما المهم، وأن الجميع ما زال بانتظار زواجها.

وإن اهتمت بالتعليم والعمل وتركت الزواج جانبا إلى أن يأتي وقته, نعتوها بـ \”العانس\”، وبات يجرحها الجميع بنظراته وكأنها رغم كل النجاحات التي حصلت عليها، ما زالت بأعينهم ناقصة!

وحتى إذا تزوجت، فربما منعها زوجها عن ممارسة طموحها وتحقيق كيانها خلف المقولة المعتادة \”أنا مراتي ماتشتغلش\”، مرورا بتجربتها في التسامح اليومي إذا كان زوجها كثير النزوات, وأخيرا عليها الموافقة والرضوخ إذا لجأ الزوج للزواج من أخرى تحت المبرر المعتاد \”الشرع محلل لي أربعة\”، فتنشأ الأنثى مذبذبة بين فكرة الظلم وفكرة أنها فعلا قد تكون عيبا منذ أن خلقت.. ضف إلى ذلك إذا نشأت نشأة مختلة في أسرة يعامل فيها الأب الأم بطريقة دونية، استحل من خلالها ممارسة قوته كذكر في تعنيف الأم وضربها، فنشأ على يده ذكر أخ ينظر للأنثى الأخت النظرة الدونية ذاتها، ومن ثم التدخل في خصوصياتها وممارسة القهر عليها، وكبت أحلامها وطموحها.

نتيجة لهذه الأسباب لحقت الكثير من الأمراض النفسية بنسبة كبيرة  بالأنثى أكثر منها بالذكر في المجتمعات الشرقية، ومنها الاكتئاب ورهاب المجتمع والوسواس القهري.. جميعها نابعة عن شعورها بالنقص, الشعور الذي ألحقه بها المجتمع منذ أول أيام حياتها، عندما يُخبر الأب أن المولود بنت وليس ولدا, فمنهم من تُكسر ابتسامته، لكنه يخبئ عدم رضاه داخله, ومنهم من يثور ويلعن ذلك اليوم الذي تزوج فيه.

بالإضافة إلى الأمراض النفسية, الأمراض الجسدية التي قد تلحق بالأنثى, كالمغص وآلام القولون وآلام الدورة الشهرية وعدم انتظامها, والتي لا ينتبه أحد إلى أنها قد تكون أمراضا جسمانية ناتجة عن أمراض نفسية, من أسبابها أن الأنثى دائما موضوعة تحت المجهر, ملحوق بها الأخطاء التي تفعلها والتي لم تفعلها.

عزيزي من قرأت بعقلك وعينك، لا عين المجتمع وعاداته وأفكاره المغلوطة، كما ترى أن وجود الأنثى في مجتمعنا في حد ذاته كما يرونه عيبا علينا أن نخفيه.. وددت أن أستسمحك أن تكون رحيما لا جلادا, تعلم في قرارة نفسك أنك بشر ولا تنصب نفسك إلها.

ما دمت تخطيء، فأنت بشر.

وما دمنا بشرا، فنحن أحرار.

وما دمنا نساء، فنحن حرائر.

كلنا أحرار.. كلنا حرائر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top