مي العمروسي تكتب: الدولة التي يهز كيانها مزحة.. يمكن جدا أن تسجن طفلا!

حديث الأمس واليوم وكل يوم، يتحدث الجميع عن ذلك الحكم وذلك الاتهام، فقد حُكم بالمؤبد على الطفل \”أحمد منصور\” الذي لم يبلغ من العمر سوى أربعة أعوام فقط! متهما بالتحريض على العنف وإثارة الشغب، وإذا بحثنا خلف ذلك الحكم وجدنا أنه صُدر بالخطأ نتيجة لحدوث خطأ في كتابة الاسم، ومثلما يصدر كل شئ بالخطأ في دولة لا تعرف للصواب طريقا، ولكن للمصداقية لا أحد يستطيع إنكار تنوع أخطائها بين:

– قتل وسحل متظاهرين بالخطأ.

– وضع أموال للدولة في حسابات شخصية بالخطأ.

– اغتصاب أمين شرطة لفتاة بالخطأ.

– الإفراج عن متحرش بالخطأ.

– غلق أماكن فنية وثقافية ومنظمات حقوقية بالخطأ.

– كبت الحريات وسلب الحقوق بالخطأ.

– مشاجرة بين أمين شرطة وسائق، أدت إلى مصرع السائق بالخطأ، فكما قالوا إن أمين الشرطة \”الشريف\” كان يطلق الأعيرة النارية في الهواء.

– إختراع جهاز لعمل \”الكفتة\”.. أقصد لعلاج مرض الإيدز أيضا بالخطأ!

– وأخيرا وليس آخرا الحكم بالمؤبد على طفل يبلغ من العمر أربع سنوات بالخطأ!

وكأن الخطأ دائما -في دولة الخطأ- مغفور، ولا ينظر أحد لما ترتب على حدوثه.

حاول أن تتخيل معي إذا كان صادف ذلك الخطأ شابا في العشرينيات بدلا من ذلك الصغير! كان سيدخل السجن ويقضي المتبقي من أيام شبابه في \”زنزانه\”، ولن يصدق أحد حينها أن \”ياما في السجن مظاليم\”.

فقط في مصر سواء كان عن قصدا أو بالخطأ، فالزنازين دائما للمظاليم.
الزنازين والمعتقلات دائما للثوار, للأحرار, للمفكرين, وللمبدعين, للذين لا يريدون أن تفنى حيواتهم هباء أبدا.

اقول ذلك من واقع رؤيتي للأحداث، والقبض على البعض بدون ذكر أسمائهم واعتقالهم في قضايا سياسية بتوجيه اتهامات لهم لم يفعلوها من الأساس، بل إن البعض منهم لم تكن السياسة أحد اهتماماته أصلا! وإنما أيضا قد أعتُقل بالخطأ، فضلا عن أولئك المختفيين قسريا ولا يعلم أحدا عنهم شيئا، اختطفتهم الجهات المختصة عن قصد بتهمة حرية الرأي، ودائما وأبدا من يعترض هنا فعقابه الانتهاك أو ربما عيار طائش يخلص الدولة النافقة من عقل يفكر ولسان يتكلم, هنا لا مكان للمفكرين, هنا لا مكان إلا للمقيدين، ومن لازال لا يرى انتهاكات الدولة، فأدعو له بإنارة البصر عما قريب.

أظن أنك وجدت معي أن من يمكن أن يتم الخطأ في اسمه، قد يكّفر عن ذنب لم يقترفه، ويدفع ثمن خطأ غيره، ويقضي سنوات من عمره لن يعلم بعد ذلك فيما أفناها، وآخر يكّفر عن ذنب لم يكن ذنبا من الأساس، فكل ما اقترفه أنه قال رأيه صراحة، وربما سيقضي سنوات هو الآخر سيفقد عقله بمنتصفها إذا أدرك أنها تفنى في لا شئ نتيجة لممارسة الحرية.

ربما ضغطت علينا الدولة بكل الطرق حتى وضعنا أيادينا على أفواهنا وكممنا أنفُسنا بأنفُسنا خوفا من أن نُنتهك بالخطأ أو عن قصد!
أو ربما تركت لنا المجال كي نتحدث ونمارس الحرية بحرية كي تنصب لنا فخا واحدا يلي الآخر، حتى تتخلص منا جميعا, لم يكن بجديد عليها, أرانا قد عدنا لما قبل الثمانينيات.. \”الأمنجية\” يسيرون بكل الطرق يتجسسون على الشباب, يجلسون على المقاهي في محاولة للتصنت ماذا يقول الشباب؟!
الشباب والشباب والشباب.
والشباب دائما يحمل الحلم, الأمل, والثورة والمزيد من الثورة, لذلك الشباب يهدد الأمن العام! الأمن العام الذي يستتر خلفه أمنهم الخاص، ولم يكن لنا نصيب فيه أبدا.

في تلك الدولة التي لا يؤخذ فيها الحق بالقانون ولا بغير القانون، في تلك الدولة التي وصل بنا العجز فيها لمحاولة أخذ ولو جزء من الحق من خلال مزحة، فقد اهتزت وانتصبت تلك الدولة تُعادي من كان يمزح في \”موقعة الكاندم\”، ولم تهتز أبدا ولم تتحرك من مكانها في \”موقعة الجمل\”.. قديما، ولا لضرب سيدة في المترو حديثا، ولا لقتل سائق عن طريق الخطأ، ولا حتى للحكم بالمؤبد على طفل يبلغ من العمر أربع سنوات، فقط نحن من ننتفض دائما اعتراضا على الظلم، ولا تنتفص الدولة إلا لوأد اعتراضنا، لأنها دولة واحدة تتعامل بمعيارين.. فقط في الدولة ذات المعيارين والتي قد يهز كيانها مزحة.. ممكن جدا أن تسجن طفلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top