مي الصباغ تكتب: من حلم التغيير لحلم الهجرة.. يسقط قتلة الأحلام

كانت الملايين تهدر في الميادين بهتاف واحد، \”ارحل\”، ثم رقصوا وغنوا وتعالت أصوات فرحتهم بانتصارهم الأول عندما رحل وسقط حكم الطاغية مبارك، بعدها ويمكن أن تكون تلك المرة الأولى التي يحدث فيها، أن يعود المتظاهرون مرة أخرى للميدان والشارع، لينظفوهم، مثلما شارك الطلاب والأطفال والشباب والكبار رجالا وسيدات، في ثورة ضد نظام تعفن طيلة ثلاثين عاما كاملة، لم يجلب على البلاد سوى الفقر والتهميش والجهل والمرض والإهمال الذي حصد الأرواح حصدا.

ولو أردت أن أتذكر، الأجواء التي خيمت على مصر بعد تنحي الطاغية، فلن أتذكر سوى التفاؤل والإيجابية وأحلام التغيير التي باتت قريبة جدا لأيدي الشعب الثائر، فمن حُرِمَ من التعليم الجيد، أصبح متيقنا من إعادة هيكلة التعليم، ومن حُرِمَ من فرصته في الحياة الكريمة والحرية والعدل الاجتماعي، بات متيقنا من قرب نيله لتلك الحقوق، ولم لا بعد أن قامت ثورة هزت أركان النظام، وأجبرت الطاغية على الرحيل.

تزايد الأمل مع تقديم مبارك وأولاده للمحاكمة، بتهم عدة، أبرزها كان قتل المتظاهرين، كان على الألسن قولا واحدا، وهو أن غدا أفضل، وانتهى عصر الديكتاتورية، ولم يعد بإمكان أحد أن يذل أو يجوع أو يهين مواطنا مصريا، و\”ارفع رأسك فوق أنت مصري\”، وكان من يقولها يشعر بصدقها ويصدقها، فكانت لحظات الثورة هي أكثر اللحظات التي شعر فيها المصريون بالانتماء لهذا الوطن، والفخر به، وكلما انهالت الأخبار عن الأموال المهربة، أو رجال مبارك الذين هربوا من البلاد، كان الفخر يكبر والانتماء يقوى، وانتهت حالة الاغتراب واللامبالاة، وكأن الثورة بدلت الشعب المصري بشعب آخر، إيجابي يحارب الفساد وينظف الشوارع وينظم المرور، ويرفض الرشوة ويندمج في نقاشات عن المستقبل، والحاكم القادم، وحقوقهم عليه وواجباته اتجاههم.

كانت مصر ملونة بألوان البهجة والفرحة بالانتصار العظيم، كان يمكن بناء دولة عظيمة، تكون لبنتها الأولى هي تلك الثورة، وتلك اللحظات والأيام التي عاشها المصريون مفترشين الميدان، لهدف واحد، \”إسقاط النظام\”.

ثم بدأت الأحداث في الانحراف نحو ما لم يكن في الحسبان، بداية من الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011، والتي طبخها المجلس العسكري مع جماعة الإخوان، والصادم هنا لم يكن التعديلات نفسها ولا التفافها حول ضرورة إصدار دستور جديد ليكون هو الأساس الذي يتم البناء عليه، بل كان نبرة مؤيدي التعديلات، والذين هم مؤيدو الجماعة بالطبع، فبعد ثورة كان شعارها \”الحرية\”، تجد من يطل علينا بجملته \”اللي مش عاجبه يروح كندا\”، أو \”نعم للاستقرار\”، وكأن تلك الثورة التي اندمجت فيها صنوف وأطياف مختلفة وقفوا جنبا إلى جنب في ميدان واحد، كانت محطة وانتهت، وحان الآن تنحية المخالفين جانبا.

بعدها تصاعدت الأحداث بشكل هستيري، مرورا بمذبحة محمد محمود، ثم مجلس الوزراء، ثم مذبحة ماسبيرو، وفتنة بورسعيد، كل تلك الأحداث الدموية المؤلمة، كان الجاني فيها واحدا، هو وزارة الداخلية بأوامر من المجلس العسكري، الذي أكد على احترامه لثورة يناير وشهدائها من اللحظة الأولى، وكانت جماعة الإخوان، واقفة وقفة المتفرج أحيانا كثيرة، والمشجع أحيانا أكثر، ثم أتت الجماعة للحكم، وارتكبوا من الجرائم والأخطاء، ما كان كفيلا لإسقاطهم.

ثم وصلنا لتلك اللحظة، تأتي ذكرى الثورة، وآلاف الشباب ملقى وراء الزنازين، ومن هو خارجها، أصابه الإحباط وعادت إليه اللامبالاة، والشعب الذي كان مهتما بالنقاشات السياسية، أصبح يتجنبها خوفا أو مللا، اختفى التفاؤل الذي شاب الوجوه في 2011، واختفت الآمال المعلقة بالتغيير الجذري وإصلاح الأوضاع، بعد 5 سنوات من الثورة، وبعد الآلاف من القتلى والآلاف من المعتقلين، والمئات من المختفين قسريا، لم يعد هناك مكان لحلم التغيير، وحل محله حلم الهجرة.

فبعد أن عاد بعض من كانوا يعملون في الخارج ليشاركوا في بناء مصر الجديدة على أنقاض النظام المتهدم، ندموا على قرارهم، وبعد أن كان الشباب يحلم بأن هناك غدا مشرقا ستهل شمسه على وطنه، أصبح كل حلمه هو الحصول على تأشيرة للخروج بتذكرة سفر ذهاب دون عودة، فهل يمكننا يوما ما، لو نجحت ثورتنا، أن نحاكمهم على قتل الأحلام؟ أو هل يمكننا أن نحاسبهم على كافة الأمنيات والآمال التي تعلقت بثوب هذا البلد ثم اندثرت؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top