قالوا لنا إن الكبت يولد انفجار.. حسنا نحن الآن في مرحلة الكبت، فمتى يكون الانفجار وكيف سيكون؟
يمكن أن يكون أهم انتصار من بين الانتصارات القليلة التي حصدناها بعد ثورة 25 يناير هي أنها هدمت كافة المقدسات، ومحت كافة الخطوط الحمراء والتابوهات التي طالما حملناها على أعناقنا حتى تركت علامات زرقاء مؤلمة، وأصبحت كل الأمور خاضعة للنقد والتفكير مرة أخرى، بداية من التاريخ المكتوب والذي لقنوه لنا في المدارس، وصولا إلى الأطر التي كانت تحكم العلاقات الإنسانية بين البشر، العلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة شهدت ما يشبه إعادة الصياغة، والعلاقات الإنسانية بين الأطراف المتناقضة شهدت حالة من حالات القبول والتعايش، إلا أنه يبدو أن حتى تلك الانتصارات أصبحت تشكل عبئا على \”بعضهم\” الآن، وأصبح النقد أو السخرية أو حتى التساؤل والبحث، أمرا لابد من القضاء عليه.
فزادوا من الخطوط الحمراء واتسعت دائرة المقدسات.. كنا في البداية نعرف تهمة \”ازدراء الأديان\”، ثم انضم لازدراء الأديان، إهانة مؤسسة الأزهر ورموزها، وكأن مؤسسة الأزهر أصبحت فوق النقد، وفوق مستوى المراجعة، كأنها كهنوت جديد لا يسمح لنا نحن المواطنون الرعاع أن ننتقد السادة أصحاب هذا الكهنوت.
ثم انضم الجيش لدائرة المقدسات، فأصبح الحديث عن سرية ميزانية القوات المسلحة أو ظروف التجنيد التي يعيشها المجند المصري، أو الأخطاء التي تؤدي إلى استشهاد أبنائنا وأخوتنا يوميا، أمورا غير مقبولة، ومستويات جديدة من الحماقة أو الخيانة، بل أصبح الحديث عن اقتصاديات الجيش وسيطرة قادة الجيش على نسبة كبيرة من الاقتصاد، تدخل في حيز الخيانة العظمى والعمل على هدم أركان الجيش المصري، رغم أن الجيش مهمته حماية الحدود وليس تصنيع المكرونة، إلا أن جمهور الدوائر المقدسة يرى أشياء أخرى لا نراها نحن.
ولم تقف هنا الدائرة المقدسة، بل ضمت كذلك جهاز الشرطة، ورغم أن وزارة الداخلية المصرية لها سجل طويل حافل بالجرائم والانتهاكات الخاصة بحقوق الشعب المصري، بل إن هناك محللين يرون أن جرائم الداخلية في العهد الماضي المستمر هي السبب وراء الانفجار الشعبي في 25 يناير، إلا أن هناك قطاعا يعيش بيننا، يرى أن جهاز الشرطة، الذي يقتل ويعذب ويسحل أطباء، ويتم اتهام أفراده بالاغتصاب، هو خط أحمر لا يمكن السخرية منه، خاصة لو بـ \”قلة أدب\”، كما فعل شادي ومالك في الفيديو إياه!
ثم أخيرا أطل علينا الرئيس السيسي عظم الله شأنه، وهو يسير بعرباته وموكبه وحراسته الضخمة فوق سجادة حمراء وضعت على الأسفلت نفسه، هناك من علقوا بأن ثمن السجادة باهظ جدا، خاصة أن الرئيس قال لنا في خطابه يومها، إننا سنشرب مياه الصرف الصحي، لكن بعد تكريرها مرة أخرى.. الحمد لله، وأكد أن المياه والكهرباء سيرتفع ثمنهما، وكذلك شقق وزارة الإسكان، لكن الحقيقة أني أرى أن دولة قُدر فيها الفساد بـ 600 مليار جنيه، لن يضيرها اقتصاديا إنفاق مليون أو اثنين أو عشرة حتى على سجادة يسير عليها فخامته، وإنما المعنى يكمن في موضع آخر، وهو وجود سجادة من الأساس، وكأن هناك رسالة بأن الرئيس هو شخص انضم لدائرة المقدسات، عجلات سيارته وليس قدميه لا تطأ الأسفلت مثلنا نحن الرعاع، من يموتون على الطرق وفي القطارات والأتوبيسات.
الأزمة هنا، أن الخطوط الحمراء تكثر، ودائرة المقدسات تتسع، إلا أنها حتى الآن لم تشمل كرامة المواطن وحريته، ولم تشمل بعد قوت يومه وفرصته في العثور على أبسط حقوقه الآدمية في منظومة تعليم تحترم عقله، ووظيفة تحترمه كإنسان، ومسكن يحترم آدميه، ووسائل مواصلات تريحه بدلا من أن تكون عبئا آخر عليه، وحقه في التعبير عن رأيه دون الخوف من أمين شرطة ينتهك حرمة جسده أو يسلب منه حريته مقابل كلمات معدودة أو خطوات في مظاهرة.
نهاية.. ألم يحن الموعد، الذي تنضم فيه تلك المقدسات الحقيقية لقوانين الازدراء والنيل من كل من يهينها، أم أنه كتب علينا أن نقدس لحية ودبورة فقط؟!