في زياراتي القصيرة لمصر اتعودت استقبل مكالمات من أصدقاء بيحبوا يهزروا على موضوع \”ناشط سياسى\” وكدة. المرة دى استقبلت مكالمة من شخص بيقول إنه معد برنامج طونى خليفة، فقعدت اهزر فاكرها اشتغالة، بس طلع بيتكلم بجد.. المهم, تمت دعوتى لحلقة عن تويتر و\”الهاشتاجز\” وإزاى الهاشتاج والشتيمة ممكن تأثر في السياسة والدولة… إلخ. وحيث إنى مش بتفرج على تلفزيون إطلاقا، ومش باتابع الإعلام المصري غير عن طريق الحاجات القصيرة اللي باشوفها على تويتر أو فيسبوك، ماكانش عندي أى فكرة أنا باوافق على إيه، واللي طمني إنه قال، هيكلم سلمى الدالي عشان تكون موجودة معايا في الحلقة.
في نفس اليوم بالليل، قلت اشوف حلقات من البرنامج على يوتيوب عشان اعرف طبيعة البرنامج، وأول ما كتبت اسم \”طوني خليفة\” على اليوتيوب، طلع لي ليستة مالهاش أول من آخر عن نوعية العالم السري للمحدين.. لقاء ساخن مع راقصة.. إخراج الشياطين من جسد الإنسان.. الشذوذ الجنسي وزنا المحارم، وأشهر مكالمة جنسية.. أنا قلت جايز مصر اتغيرت يا عبلة، وبقى عندنا اللي بيسموه حرية التعبير، وأنا ماعنديش خبر.
بعيدا عن اسم البرنامج \”أسرار من تحت الكوبرى\” – وكما توقعت – البرنامج بيساهم بشكل مباشر في نفس المنظومة الإعلامية اللى بتسعى لتجهيل المواطن بشكل متعمد.. المذيع بعيد تمام البعد عن الحيادية.. أحيانا متحرش، وأحيانا أخرى يأخذ نهج مدرسة ريهام سعيد بنظام: \”أنت مش ندمان؟\” أو \”إيه اللى حصلك وأنت صغير عشان تطلع ملحد؟\”.
طونى خليفة وصل لدرجة مقارنة كلام مخرجة عن حرية الشخص إنه يروح السينما أو مايروحش عشان يشوف فيلم, بواحدة تمشي عريانة في الشارع، وتطلب من الناس ما يمشوش في الشارع، وده عشان يمنع المخرجة من قول إن المبدع ماينفعش يكون عليه قيود! شئ مثير للشفقة، ولكن في الآخر، كأي برنامج يسعى لنسبة مشاهدة عالية، ويجب عليه تسليط الضوء على \”التابو\” وعرضه بوجهة نظر يحبها الأغلبيةن و الكل يصفق ويتحرق العلم والمنطق بجازن عشان المهم الناس تتبسط!
كل حلقة من البرنامج يتكتب فيها سلسلة مقالات لسرد الأخطاء اللي فيها، كأى برنامج في مصر.
نيجي للمهم.. \”الشتيمة على تويتر\”.. هانحتاج نكر فيلم مدته خمس سنين على الأقل عشان نشوف تطور المشهد.. بس أنا مش فاهم، أو بمعنى أصح, مش مصدق إن الناس متضايقة من \”الشتمية على الإنترنت\”.. خليك صريح مع نفسك عشان نقدر نتكلم.. إنت بتتفرج على واحد بيقول: \”هجيبك بلبوص وأمك اللي مش عارف إيه\”، والتاني اللي بيقول: \”شوفوا بيحطوا الشماريخ فين\”، ولو مالكش في الكورة، ممكن تشوف بتاع الدين من أتباع \”يا واد يا مؤمن وإيه اللي وداها هناك\”، لكن لا سمح الله.. إزاى تسمح لواحد إنه يشتم على الإنترنت؟ ولو أنت من أنصار إن كلهم غلط وماينفعش ده يحصل، فأحب اقولك: انزل الشارع واسمع اللي بيتقال في الشارع، ولو حضرتك عايش في كومباوند، فالأسهل إنك تجمع فلوس وتعمل إعلام موازى للعالم الموازى بتاعك، عشان مش ناقصة وجع دماغ!
أمثال الناس المذكورة أعلاه مش متضايقين من الشتيمةن حتى ولو هما نفسهم مش بيشتموا.. الناس دى متضايقين من قلة الحيلة، أو الصراحة اللي مش قادرين عليها.. حضرتك سايب آلاف المظلومين في السجون وآلاف المظلومين اللي ماتوا من سكات ومجاش حقهم وملايين النساء اللي بيتمرمط بكرامتهم الأرض يوميا في العلن والخفاء، وسايب الإعلام بالدرجة المتدنية اللي وصلها، ولكن الشتيمة على تويتر هى اللى بتأثر على البلد وسياستها؟!
أحب اقول لسيادتك: \”أنا حقا اعترض\”.. حلوة الصيغة دى؟! لو مش شايف التناقض في أفكارك أنا مش هاقدر أساعدك.
إحنا جيل اتعود يتفرج على أفلام مقطعة على التلفزيون وأفلام غير واقعية في السينما.. تبقى في الشارع بتشوف عالم وعلى الشاشات بتشوف عالم تاني تماما، وبطريقة ما الناس اقتنعت إن هو ده \”العادي\”.. العادي إن الناس مابتشتمش ومابتعملش حاجة \”غلط\”.. ما يسمى بالعادة السرية.. التحرش.. عاملات الجنس.. المخدرات.. المثلية.. كلها حاجات موجودة, مفيش وجه تشابه بينهم غير إنهم تابوهات ممنوع الكلام عنها كمواضيع طبيعية في المجتمع بدون نبذها وإثبات إن المواطن المصرى الأصيل المحافظ المتدين بطبعه المنيل على عينه هو اللي حق والدنيا ربيع.
وصلنا لمرحلة إن أى حد بينتقد الخرة اللي إحنا واقعين فيه، لازم يتحط في موقع الدفاع عن كل بني آدم قال إنه مع الثورة، عشان سمعة الثورة والشباب الطاهر. على رأي أحمد غربية لما كتب عن ما يسمى بسمعة الثورة: \”ثورة مصر دي من أول يوم فيها ملحدين وبهائيين ومثليين وناس تشرب بيرة وستات تنام مع رجالة من غير جواز ومزدوجي جنسية وأطفال شوارع\”.
الشتيمة مش عيب.. وجودكم على الكوكب هو العيب بعينه.. وجود نوع من البشر بيروج للجهل والكراهية ويستغل كل من يتم قمعه وكل من ليس له صوت في الترويج لبرنامج, أقل ما يقال عنه إنه عيب، لأن التحريض على الكراهية يعتبر جريمة.. بس حيث إنه الأغلبية كلها موافقة على الجريمة دى، فحتى الآن يكفى أن اقول عيب كدة يا عم المتدين منك له! لو الهاشتاج تاعبك قوي كده، اعمل واحد انت كمان, لو مش عاجبك يبقى خليكم في التلفزيون وسيبوا الإنترنت.
احب اسيبكم بمقولة قالها لي جاكوب آبلباوم Jacob Appelbaum \”ممكن تعملوا بحث على اسمه عشان تعرفوا هو مين\”, قال لى: الإنترنت جاهز يستوعب العالم كله.. بس البشر لسة مش جاهزين عشان يستوعبوا الإنترنت.
و ده الواقع المؤسف.. خلينا إحنا تحت الكوبرى، ولما تزهقوا من التطبيل على القنوات، ابقوا تعالوا انتوا اقعدوا معانا تحت الكوبري نشرب شاى.