مينا زكري يكتب: نعم ندافع عن حقوق المثليين

 

عندما نناقش مسألة زواج المثليين والتي أثارها حكم المحكمة العليا في أمريكا بإقرار حق المثليين في الزواج، فدعونا نتفق على أننا نناقش أمرا اجتماعيا يتناول حق من حقوق الأفراد فيما يتعلق بالأحوال الشخصية للمواطنين بعيدا عن \”الدين بيقول إيه\”، فعلينا أن نوضح بعض الأمور الأساسية:

– للبشر جميعا الحق في حرية الدين والتفكير والاعتقاد، ومن ثم فللجميع الحق في قبول المثلية كسلوك سوي حتى وإن كان مغايرا للسلوك الجنسي لأغلبية الناس أو رفضها باعتبارها \”خطية\” أو \”من الكبائر\” حسب الاعتقاد الديني. يحق لكل فرد أن يرى ويفكر كما يشاء ويختار الموقف الفكري الذي يراه صائبا ليتبناه وأيضا أن يعبر عن آرائه دون قيود، فلا أحد هنا يجبر الآخرين على تغيير معتقداتهم الدينية أو الإيمانية.

– لعلنا جميعا متفقون على أن الدين والمعتقد مكانه قلب وعقل المؤمن الفرد كما أن له الحق في ممارسة عباداته فرديا وجماعيا بحرية يجب أن يحميها القانون وتوفرها الدولة لكافة مواطنيها والمقيمين على أراضيها، وكذلك أتصور أننا متفقون على أن الدين ومبادئه وتعريفاته للخطأ والصواب والحلال والحرام هو أمر مكانه حياة المؤمن الشخصية ولا ينبغي أن يتم فرضه على الآخرين بقوة القانون أو قوة السلاح، ولعلنا في نفس السياق متفقون على أنه بينما يصح تطبيق القواعد الدينية بل وحتى فرضها على المؤمنين بالدين (ممن اختاروا الدين طوعا وبإرادتهم الحرة) إلا أنه ليس مقبولا أن يكون الدين وتعريفاته للصواب والخطأ والحلال والحرام مرجعية للتشريع في الدولة، وإلا فلماذا نرفض حكم الإسلاميين وهم يريدون تطبيق شريعة إلههم على الجميع بحكم القانون وأحيانا بقوة السلاح!

– الحديث هنا إذن ليس عن قبول المثلية أو عدم قبولها كسلوك، فالمثليون والمثليات وكذلك المتحولون والمتحولات جنسيا موجودون وسيظلوا موجودين أعجبنا أو لم يعجبنا، الحديث هنا ليس عن هل المثلية \”خطية\” أو \”معصية\” (حسبما تقول التفاسير الدينية) أم لا، بل عن هل المثلية – من المنظور الطبي – مرض ، ومن ثم لها علاج أم لا؟ وهنا نسأل: \”الطب بيقول إيه؟\” الطب بيقول بشكل قاطع علميا أنها ليست مرضا ومن ثم ليس لها علاج.. حديثنا هنا كذلك عن حقوق المثليين كبشر وهل نقبل وقوع تمييز ضدهم في حق من الحقوق الأساسية للبشر أم أننا متفقون على أن لجميع البشر أن يتمتعوا بكافة الحقوق والحريات دون أي تمييز من أي نوع؟

– الزواج وتكوين الأسرة هو أحد الحقوق الإنسانية الأساسية والتي تقع مسؤولية حمايتها وتوفيرها لكافة المواطنين دون تمييز على الدولة حتى لو لم يكن هذا على هوى أغلبية المواطنين.

– تشريع المحكمة الأمريكية بحق الزواج للمثليين في كافة الولايات الأمريكية هو خطوة في سبيل ترسيخ المساواة بين المواطنين في الحق في الزواج وتكوين الأسر، وهو ليس اختراعا سجلت براءته إمبارح العصر، بل هي خطوة تأخرت كثيرا في بلد يفترض أنه متقدم كأمريكا، فمثل هذا التشريع موجود من سنين في العديد من دول أوربا وتطبيقه لم يؤد لأي ضرر لأحد سواء رافضي المثلية لأسباب دينية أو للأطفال المتبنين لآباء مثليين.

إذن ما ندافع عنه هنا هو حق كافة البشر في التمتع بكافة الحقوق الإنسانية دون تمييز، ورفض تعرضهم لانتهاك حقوقهم سواء بحرمانهم من الحق في الحياة كما كان يفعل النازيون أو حرمانهم من حق أساسي كالزواج كما كان هو الواقع في العديد من الولايات الأمريكية حتى صدر حكم المحكمة العليا الأخير، وكما هو واقع في العديد من الدول التي لا تزال تحرم المثليين والمثليات من هذا الحق وغيره.

المثلية الجنسية أو الغيرية الجنسية هي ميل وتفضيل جنسي بيختلف من واحد للتاني، أسبابه وعوامل تطوره إيه ده مش موضوعنا، موضوعنا إنه أمر واقع إن فيه رجالة بتحب الستات، وستات بتحب الرجالة، وكذلك رجالة بتحب الرجالة وما بتحبش الستات وفيه ستات بتحب الستات بس ما بتحبش الرجالة، وفيه رجالة وستات بتميل جنسيا لكلا الجنسين.. التنوع والتعددية دي أمر طبيعي في الإنسان كما في العديد من الثدييات.. الطب والعلم بيرفض تماما اعتبار التنوع ده في الميول الجنسية مرضا وبالتالي العلم والطب بيرفض القول بأن فيه علاج للميول الجنسية المختلفة لأنها كما أوضحت ليست أمراضا أصلا عشان تتعالج.

كون الدين مثلا بيقول كلام مختلف عن العلم، فده موضوع تاني بقى ما نلزقوش في العلم والطب.. أنت من حقك يكون لك اقتناعاتك الدينية بس ما تفرضش اقتناعاتك دي ع الدولة والقانون.

المثلية الجنسية ليست مصنفة طبيا كمرض.. ده مش رأي ولا وجهة نظر، إنما حقيقة علمية وطبية بسيطة محسومة ومفيهاش جدل.. المثلية الجنسية ليست مرضا.. ومن ثم فلا يوجد شيء اسمه علاج للمثلية، فالأطباء لا يعالجون سوى الأمراض المصنفة طبيا كأمراض، فأي حد يقول لك إن المثلية الجنسية مرض وبيتعالج اعرف إنه جاهل أو نصاب أو دجال.. اللي يلاقي المثلية الجنسية موجودة في تصنيف الأمراض الخاص بمنظمة الصحة العالمية يتفضل يورينا دليله.

البعض يخلط بين المثلية الجنسية  والتحول الجنسي أو الجندري، فيقول البعض مدللا على ادعاء أن المثلية مرض: \”مش فيه عمليات تحويل بتتعمل، خلاص يروحوا يحولوا.. وما دام فيه عمليات جراحية يبقى هي مرض وله علاج أهو\”! الخلط واضح هنا وسببه الجهل بالفرق بين الميل الجنسي والهوية الجندرية.. ليس كل ذكر مثلي الجنس هو متحول جنسيا يرى هويته الداخلية كأنثى، ولا كل مثلية تميل جنسيا نحو النساء بسبب رؤيتها نفسها ذكرا.. هذا خطأ وخلط كبير.. المثلية ميل جنسي، يعني بتحب الرجالة ولا الستات ولا كلاهما.. الترانس جندر أو التحول الجنسي هو أن يكون لك جسد ذكر لكن هويتك أنثوية أو أن يكون لك جسد أنثى وترين هويتك الجندرية كذكر، هنا فقط يكون التدخل الهرموني والحراحي الهادف إلى جعل الجسم الخارجي متوافقا مع الهوية الجندرية الداخلية.

هل الأزواج مثليو الجنس أقل صلاحية وأهلية لتكوين أسرة وتربية أبناء (بالتبني مثلا) بالمقارنة بالأزواج الغيريين جنسيا؟

يدعي البعض في معرض رفضهم لتشريع زواج المثليين أن مثل هذا التشريع وما يتبعه من أحقية المثليين والمثليات في تكوين أسر وتبني أطفال وتربيتهم، سيؤثر على الأطفال ويشوه شخصياتهم. وهنا نتساءل: هل تربية الأطفال على نحو جيد يعتمد أكثر على الميول الجنسية للأبوين التي هي شأن شخصي جدا وحميمي للغاية أم على شخصية الأبوين وقدرتهما على رعاية الأطفال؟ أليس من السخف والغباء أن نعمم ونفترض أن كل الآباء والأمهات الغيريين جنسيا هم بالضرورة أفضل وأكثر صلاحية على تربية الأطفال من نظرائهم من المثليين والمثليات؟ ولا أنا أجرؤ أن أفترض العكس.. إذ سيكون حينها افتراضي سخيفا وغربيا كذلك. ثم دعونا لا نعيد اختراع العجلة.. تشريع زواج المثليين ليس اختراعا تم تسجيل براءته أول امبارح بالليل، العديد من دول أوربا أقرت مثل هذا التشريع منذ سنين ولم نجد انهيارا في المجتمعات ولم نر أطفالا مضطربين وأفكارهم مشوهة بسبب ميول ذويهم الجنسية! وإن كان القصد من الحديث عن \”تشويه أفكار الأطفال\” عن الميول الجنسية وما هو \”طبيعي\” وما هو \”منحرف\”، فلا تقلق، فجميع الأطفال سيتعلمون نفس الشيء في المدارس أيا كانت ميول ذويهم الجنسية.. سيتعلمون أن العلاقات الإنسانية متنوعة وأن التنوع يثري المجتمعات، سيتعلمون أنه لا توجد \”اسطمبة\” واحدة للعلاقات الأسرية \”الطبيعية\” والسوية، فهناك أسر فيها أم بمفردها، أو أب بمفرده، هناك أسر فيها أب وأم معا، وأسر فيها أب وأم بالتبني، وأسر فيها أبوين أو أمين. ثم إن الدول المحترمة تحمي الأطفال وفي بعض الحالات التي يثبت فيها إيذاء الأطفال يعاقب ذويهم وقد يتم نزع حضانة الأطفال منهم، من ثم فَلَو كان تخوفك صادقا على رفاهية الأطفال فلا تقلق.

إن حكم المحكمة العليا في أمريكا لا يكتسب أهميته من كونه غير مسبوق تاريخيا في تشريع زواج المثليين، فهو قرار يأتي متأخرا جدا عن العديد من الدول الأوربية التي سبقت وأقرت هذا الحق الأساسي لهذه الفئة من البشر، لكن أهميته ترجع بالطبع إلى أهمية أمريكا وحجمها وتأثيرها العالمي. من هنا أتصور أنه حكم يشكل علامة فارقة في تاريخ النضال من أجل حقوق الإنسان بوجه عام وليس فقط حقوق المثليين.. نعم نحن ندافع وبقوة عن حقوق المثليين، ببساطة لأنهم بشر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top