\”يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين وإحنا مش هنستنى على ده، إحنا هنعدل القوانين اللي تخلينا ننفذ القوانين والعدالة في أسرع وقت ممكن.. هم بيصدروا الأوامر في القفص وبيتنفذ الحكم، وإحنا قاعدين ننفذ القانون وإحنا هنحترم القانون، بس هنخلي القانون قانون يجابه ده والأمر ده مع السلطة القضائية\”
ده كلام رئيس الدولة في جنازة النائب العام الذي تم اغتياله في عملية إرهابية وسط خطاب كرر فيه كلاما إنشائيا غير ذي قيمة عن الخطر الذي تواجهه مصر، ومؤكدا أن \”اللي حصل ده كنّا عارفين إنه هيحصل وكنا مستعدين إن إحنا نتحمل تمنه\” ثم يخبر الشعب المصري بقوله إن: \”المعركة دي معركتنا كلنا وهنسقط فيها من الكل من الجيش والشرطة ومن القضاء ومن الإعلام وده موضوع مش هينتهي خلوا بالكم\”، وهو فيما يبدو لا يرى في مثل هذه الكلمات – التي يرددها كلما وقع حادث إرهابي كبير- أنه بمثابة إعلان فشل له ولدولته واعتراف بعجزه عن القضاء على الإرهاب أمام جموع الشعب الذين فوّضوه منذ نحو عامين ليتخذ الإجراءات المناسبة للقضاء عليه.
ورغم فشل الدولة الجسيم الذي يراه الجميع وتحقيق جماعات الإرهاب – التي يحلو للسيسي وصفها بأهل الشر – لنجاحات متوالية في عملياتها النوعية سواء في سيناء أو في قلب مصر، يصر السيسي على ادعاء أن \”إحنا لا مرتبكين ولا مهزوزين ولا مرتعشين ولا أي حاجة\”.. صحيح فعلا.. ولا أي حاجة!
يهدد السيسي بشراسة قائلا للجميع: \”أنتوا ما تعرفوش إيد الدولة عاملة إزاي؟\”.. والله يا ريس عارفين والمصريين بقالهم سنتين بيعانوا من اللي بتعمله فيهم إيد الدولة، سواء من بطش سياسي غير مسبوق، أو حتى من خنق حياة الناس برفع الأسعار وتضييق العيش على الناس العادية، مش بس المعارضين يعني.
أهم ما في خطاب السيسي كان كلامه الذي بدأت به المقال عن \”يد العدالة المغلولة بالقانون\”، وعشان نفهم خطورة الكلام ده، اللي بيقوله الرئيس تبريرا لفشل الدولة في القضاء على الإرهاب، لازم نسترجع تصور السيسي عن نفسه باعتبار أن \”الله خلقه طبيبا يعرف يشخص ويوصف الحالة\”، وكيف أنه مقتنع أن \”الدنيا كلها وحتى كبار الفلاسفة يقولون: \”اسمعوا كلام الراجل ده\”! واليوم يشخص سيادة الطبيب / الرئيس داء الإرهاب وتفشيه بأن المشكلة أن التزام الدولة بالقانون – حتى الآن حسب زعمه – هو ما يعوق تحقيق العدالة، ومن ثم يتعهد بتعديل القوانين والإجراءات الجنائية حتى يحرر العدالة من قيود القانون! هذا كلام كارثي سيادتك! القانون وقيوده وظيفتهم بالفعل تحقيق العدالة الناجزة غير المنحازة، وغل يد السلطة عن إعاقة العدل وتحقيقه، من ثم فإن الدعوة لتحرير \”العدالة\” من القانون هي ببساطة دعوة لتقنين انتهاك العدالة وتدمير لأي أمل باق في أن يصبح القضاء مستقلا كأداة لتحقيق العدل وإقرار الحق دون أن يكون خصما فيما يطرح أمامه من خصومات ليحكم فيها.
في مقطع ڤيديو آخر نجد الرئيس (الذي ينفرد منذ وصوله للحكم بسلطة التشريع وصياغة القوانين وتعديلها في ظل غياب أي سلطة تشريعية منتخبة) نجده يوبخ قضاة مصر على بطئهم في تحقيق العدالة وتراخيهم في إصدار أحكام صارمة في قضايا \”الإرهاب\”! يا نهار أسود! يعني رغم إصدار هؤلاء القضاة لكل أحكام الإعدام هذه بحق المئات في الشهور الماضية، يتم توبيخهم ولومهم! يعملوا إيه بس أكتر من كدة؟ يعدموا المتهمين بدون محاكمة مثلا وهم قاعدين ع المنصة؟!
وبالطبع لا نجد أي اعتراض من أي من القضاة الحاضرين على توبيخ رئيس السلطة التنفيذية لهم، ولا يرى أحدهم أي انتقاص في كلامه لاستقلال القضاء المفترض، ولا إهانة لهيبته وشموخه.. على العكس نجد ردودا قصيرة من السادة القضاة تهمهم بالتأكيد على صحة كلام الرئيس وتعد بأنهم سيستجيبون لتوجيهاته!
في غضون ساعات من خطاب الرئيس ومخاطبته للسادة القضاة، نجد أخبارا تتحدث عن مشروع تعديلات قانونية فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية وأبرز 3 تعديلات سيتم إجراؤها هي:
أولا: أن \”سماع شهود النفي اختياري للقاضي وليس إجباريا.. يا حلاوة! طب ولزومه إيه الوقفة قدام محكمة بقى أصلا اذا كان واحد من أهم سبل الدفاع، وهو تقديم شهود النفي هيبقى مسموح للقاضي الاستغناء عنه! ما تخلوا القاضي يطلع الأحكام وهو قاعد ف مكتبه أحسن بدال التكاليف والشحططة!
ثانيا: أحكام أمن الدولة العليا تُصدق من رئيس الجمهورية للتنفيذ دون نقض.. (ولا ننسى هنا مطالبة بعض القضاة بتعديل التهم في قضايا الإرهاب بحيث تحال القضايا دي لمحاكم أمن الدولة العليا بما يتناقض مع حق المتهم في الوقوف أمام قاضيه الطبيعي) يعني قضاء استثنائي، وكمان يقلص فرص نقض أحكامه، وكله في سبيل إن العدالة \”تنجز\” وتجيب م الآخر.
ثالثا: النقض على الأحكام الجنائية سيكون على درجة واحدة، وهو ما يعني أنه إذا تم نقض حكم ما لمحكمة الجنايات بحيث تعاد المحاكمة من جديد، فعندئذ لا يجوز الطعن بالنقض على الحكم الجديد رغم أن إعادة المحاكمة تعتبر محاكمة جديدة، والمنطقي والطبيعي والقانوني أن يجوز الطعن بالنقض على حكمها.
مشهد مهم ودال:
وسط خطاب الرئيس، يقاطعه صوت مواطن يصرخ: \”عايزين إعدامات يا ريس\”، فيرد الريس: \”لو سمحتم لو سمحتم، إحنا بننفذ قانون، هتصدر حكم بالإعدام هيتنفذ حكم بالإعدام، هتصدر حكم بالمؤبد هيتنفذ حكم بالمؤبد\”، وهو ما قد يشي بأن دائرة الدم في طريقها للاتساع وليس من عاقل ليوقفها.