مينا زكري يكتب: بين جدلية "إسلام حلو" ولا "إسلام وِحِش".. السيسي ماطلعش مارتن لوثر المسلمين!

أشاهد مقطع فيديو لكلمة الرئيس السيسي في زيارته الأخيرة للكلية الحربية تحدث فيه عن عدم رضاه عن معارك فكرية، أثارت ضجة إعلامية مؤخرا في سياق تجديد الخطاب الديني، وبدا في المقطع المصور وكأنه بيعمل \”نقطة نظام\” يصحح فيها سوء فهم لدى البعض لما يردده الرئيس بحدة وتأكيد وصرامة دائما عن اهتمامه بتجديد الخطاب الديني بشكل جذري.. يبدو الرئيس وكأنه يعيد الأمور إلى نصابها ويعطي \”العيش لخبازيه\”، حيث يوضح أن من ينبغي أن يقوموا بتجديد الخطاب الديني هم شيوخ الأزهر المستنيرين، وإن ما ينفعش نستفز الرأي العام في دينه… وحاجات كدة يعني.

فيديو السيسي. 

وبعد أن أشاهد هذا أعيد قراءة ما كتب قبل شهور عن الرئيس السيسي وما توقعه البعض من أنه سيكون \”مارتن لوثر المسلمين\”

أشاهد هذا وأقرأ ذاك، وأكتم ضحكة رقيعة تكاد تنفجر، فالمشهد الآن أوضح قليلا من ذي قبل.

ليس خفيا على أحد ممن يتابع الأحداث الجارية في مصر أن السيسي على الأرجح يشير في كلامه عمن فهموا كلامه غلط لقضيتين رئيسيتين، هما دعوة خلع الحجاب التي أطلقها شريف الشوباشي، ومسألة منع الأزهر لبرنامج إسلام بحيري الذي ينتقد فيه بحدة الكثير من جوانب التراث الإسلامي، وبخلاف إسلام وشريف يوجد مثلهما – لكن ربما بضجة إعلامية أقل – العديد من الباحثين والكتاب الذين لهم توجهات مماثلة أو مقاربة.

أنا لا أحب نظرية المؤامرة، ومحبو نظرية المؤامرة يؤكدون أن موضوع دعوة خلع الحجاب ومناظرات إسلام بحيري مع المشايخ (وهي قضايا تافهة من وجهة نظرهم) ليست سوى قضايا وهمية يثيرها إعلام النظام لإلهاء المواطنين عن القضايا المهمة كحرب اليمن والإرهاب في سينا إلى آخره يعني.

في رأيي أن قضية نقد الخطاب الديني ليست قضية تافهة في بلد دستوره لا يزال ينص على أن الدولة إسلامية وأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وأن المؤسسة الدينية التابعة للدولة (الأزهر) هي المرجعية الأساسية في مواضيع الدين والشرع والتشريع، وكذا دعوة النساء للتحرر من زي ديني محدد نعرف أنه كثيرا ما يفرض قسرا على الفتيات والنساء في المدارس وفي العائلات وغيرها، هي أيضا ليست قضية تافهة ولا هي \”لَهَّاية\” من النظام يضعها في فم الشعب لإسكاته عن مساءلة الدولة عن أخطائها أو تقصيرها إلخ.

في نقاط سريعة:

– المسألة لا مؤامرات ولا نيلة، فيه واقع ديناميكي بيحصل على الأرض وكل واحد بياخد فرصته، يجرب ويقدم اللي عنده ويتشاف تأثيره ورد الفعل عليه، وساعة الجد الدولة تتدخل وتحسم الأمور في الاتجاه اللي الواقع وموازين القوى بتحدده.

– النظام القائم يفترض أن شرعيته قائمة على ٣ حاجات، ميراث دولة ٢٣ يوليو التاريخي، ثورة  ٢٥يناير التي أطاحت بمبارك وحكمه المستبد الوِحِش، وثورة ٣٠ يونيو التي أطاحت بالإخوان وحكمهم الديني الوِحِش برضه.

– حيث إن آخر محطة سبقت حكم النظام الحالي كانت هي الحكم الديني المستبد باسم الدين، فمواجهة الحكم الديني المتشدد بالضرورة تعد من أهم معارك النظام الحالي، ومن ثم فتركيز السيسي (منذ ترشحه للرئاسة) على تجديد الخطاب الديني يجب أن يُفهم في هذا السياق.

– الأمر يشبه مناقصات القطاع العام، مطلوب توريد \”تجديد خطاب ديني\”، عشان نواجه بيه عدونا اللي أطحنا به، واللي المصريين ثاروا عليه في ٣٠ يونيو وكده.. اللي عنده البضاعة دي يورينا شغله.. وتترك الساحة مفتوحة لكل يقدم ما عنده.

– هي مناقصة بلا كراسة شروط.. قدم اللي عندك وورينا شطارتك قصاد منافسيك، وبعدين هنبقى نكتب كراسة الشروط.

– عندما قامت ثورة ٣٠ يونيو لم يظهر الفريق أول السيسي في مشهد الإطاحة بالرئيس المنتخب وحده.. بالطبع لا، فالثورة شعبية، ولكل فئة من فئات الشعب من يمثلها في تحالف نظام الحكم الجديد.

– بين حلفاء الرئيس في نظامه الجديد منذ يومه الأول كان الأزهر، وكان السلفيون وكانت الكنيسة وكان آخرون موجودين.. بيد أن المهم هنا أن نتذكر أن الثورة ضد الحكم الديني لم تكن أبدا علمانية، ولم تكن ضد مبدأ الحكم الديني نفسه، بل كانت ضد فئة محددة تولت هذا الحكم الديني وهم الإخوان! العركة كانت مش على الحكم باسم الدين، إنما على من له حق الحكم باسم هذا الدين!

 

– دعك من الكلام الكثير عن التصدي للتشدد والضرب بحزم ضد المتطرفين وحتمية تجديد الخطاب الديني.. الكلام مفيش أرخص منه يا عم، وكما قال اللمبي في فيلمه: \”واحد مصاحب علي علوكة وأشرف كخة هيطلع إيه يعني؟ طيار؟\”

– البعض يتساءل عن إمكانية أن يكون السيسي مارتن لوثر المسلمين ويصنع إصلاحا دينيا في الإسلام وثورة تجدد الخطاب الديني فيه، وهؤلاء كمن \”ينتظرون السَمنة من خرم النملة\”.. عمرهم ما هيقلوا طبعا!

– يخرج علينا إسلام بحيري وينتقد بحدة – تميزه عن الباقين – التراث الإسلامي ويعرض بضاعته: \”الإسلام حلو بس التراث هو اللي زفت وبيشوه الإسلام\” ويثير حالة جدل تتضخم ثم تنفجر بعد تدخل الأزهر لوقف برنامج إسلام وبدء حملة شرسة ضد الرجل أمام الشاشات والمناظرات وبيانات الطعن بخلاف إحالته للقضاء.

-كان رد الأزهر على بحيري في كل المناظرات ينفي أن التراث هو اللي وحش بما كان يجعل البحيري ومن على شاكلته يلطمون على وشوشهم ولسان حالهم يقول: \”يخرب بيوتكم، ما هو لو التراث حلو ومفيهوش حاجة يبقى الاسلام نفسه اللي فيه المشكلة!\”، وهو ما لا يريد أن يستوعبه المحافظون ويريد أن يتجنب مواجهته المسلمون العاديون.

– في وقت أقصر بكثير ينجح شريف الشوباشي في إثارة ضجة وجدل ليس أقل مما أثاره بحيري بوضع إصبعه في عِش الدبابير الأشهر \”الحجاب\”، ويدعو النساء \”لخلع حجابهن لاسترداد كرامتهن\” وحريتهن.

– معروف طبعا أن الغلط في الحجاب – كما في حالة الشوباشي- ليس أقل كارثية من الغلط في البخاري – كما في حالة البحيري- وفي الحالتين الساحة مفتوحة للجميع يلعبون فيها كما يشاءون، وعندما تسخن اللعبة ويستاء الجمهور تتدخل الدولة وتحدد القواعد النهائية للعبة!

– يظهر مؤخرا الشوباشي في لقاء تلفزيوني ويدافع عن نفسه وعن دعوته ويضع الرئيس في جملة غير مفيدة من إنشائه قائلا إن الرئيس السيسي طالب بتجديد الخطاب الديني!

– يكشف الشيخ أسامة الأزهري ممثل الأزهر في المناظرة أمام إسلام البحيري أن الرئيس عبدالفتاح السيسي \”طلب منه العمل العاجل على تقديم عدة أطروحات لمعالجة الوضع المحتقن في الفكر المعاصر.\”

– يظهر الرئيس السيسي في خطاب ويقول ما يُفهم منه أنه غير موافق ولا راضٍ عن محاولات \”الإصلاح الديني\” اللي قام بها البحيري والشوباشي، وربما غيرهما من المستقلين، ونجده يؤكد أن تجديد الخطاب الديني اللي يقصده مش جذري ومش صادم ولا مفروض يخض الرأي العام، وأن المنوط به سيكون الأزهر.. اللي هو متهم أصلا من \”الإصلاحيين\” أنه كيان رجعي محافظ مرسخ لأصول التشدد.. وهو في الحقيقة كذلك.

– الرؤية السطحية للأمور تبدو وكأن السلطة باعت هؤلاء \”التنويريين\” للمؤسسة الدينية الرجعية المحافظة، بعد أن أعطتهم الأمان لينطلقوا في محاولاتهم الخاصة للإصلاح الديني وإنتاج إسلام أكثر حداثة وأفضَل شكلا وربما مضمونا من إسلام التيار الرئيسي ذي المرجعية المحافظة.

– بيد أن الرؤية الأكثر واقعية وعمقا تدرك أن نظاما عسكريا سلطويا يتحالف مع تيار إسلامي رجعي متشدد كالسلفيين ويستند على شرعية ومرجعية دينية لمؤسسة دينية محافظة كالأزهر لا يمكن أن يكون جادا في تبني نهج تنويري أو إصلاحي.. الحدوتة كلها صراع حول احتكار السلطوية الدينية.

– يقول قائل: طب ليه كعلمانيين نسعى بوضوح لفصل الدين عن الدولة وعن السياسة، نهتم أصلا بأحاديث الإصلاح الديني وكل هذا اللغط الذي يبدو فارغا.. ببساطة لأن الدولة في مصر حسب الدستور دينية، ولأن كل ما يخص الإسلام ومؤسساته وخطابه وسقف التغيير المحتمل في كل هذا، يؤثر في حياة كل مواطن مصري بحكم الدستور.

– من الآخر.. الإسلام حلو أو وحش هذه ليست مشكلتنا.. المسيحية كويسة ولا وِحشة ده مش موضوعنا.. مشكلتنا وموضوعنا ومعركتنا الحقيقية كدعاة تحرر وتغيير ديمقراطي، ينبغي أن تكون فصل الدين وخطابه وتشريعه ومؤسساته عن السياسة وعن الدولة وعن التشريع، ليصبح الدين لأصحابه والوطن لمواطنيه.

– مشكلتنا ليست مدى السقف المتاح لتجديد الخطاب الديني الذي يختاره النظام السلطوي لنا، بل صراعنا مع السلطوية نفسها بجناحيها العسكري والديني.. مشكلتنا مع هوية الدولة، وأن يكون لها دين رسمي، وموضوعنا هو مواد التشريع الديني في الدستور سواء تلك الممنوحة للإسلام ومرجعيته الأزهر، أو تلك الممنوحة (فيما يخص الأحوال الشخصية) للمسيحية ومرجعيتها الكنيسة.

– لتكن معركتنا إذن هي فصل الدين عن الدولة، وفصل الدين عن التشريع والقوانين، فينصلح حال الدولة ويتبقى الدين فقط دينا وشأنا شخصيا بين المرء وربه.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top